(يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) [الشورى : ٤٩].
وقوله : (وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) : لم تزل النبوة في ذرية إبراهيم من لدنه إلى هذا الوقت ، كان جميع أنبياء بني إسرائيل من ولد إسحاق ، ونبينا محمد ـ صلوات الله عليه ـ كان من ولد إسماعيل ، عليهالسلام.
وقوله : (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا) : اختلف في الأجر الذي أخبر أنه آتاه إبراهيم في الدنيا : قال بعضهم : هو ما وهب له من الولد في الكبر.
وقال بعضهم : هو ما سخر له الألسن بأجمعها على الثناء الحسن عليه ؛ حيث نسب جميع أهل الأديان على اختلاف أديانهم ومذاهبهم أنهم على دينه وسنته وسيرته وتولى كل به.
وجائز أن يكون قوله : (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا) : ما أخبر أنه آتى جميع المؤمنين وأعطاهم ، وهو ما قال : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) [النحل : ٣٠] ، وما ذكر من ثواب الدنيا ، فما من مؤمن إلا وقد آتاه الله في الدنيا أجرا وثوابا ، فذلك الذي أتى إبراهيم.
أو لا نفسر ما ذلك الأجر الذي ذكر أنه آتاه الله؟ والله أعلم.
وقوله : (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) : هذا يخرج على وجهين :
أحدهما : أنه لو لم يكرمه الله بالنبوة والرسالة لكان هو أيضا في الآخرة من الصالحين.
والثاني : ذكر الصلاح له لحقيقة صلاحه ، أي : يكون هو ممن حقق الصلاح ؛ وكذلك ما ذكر في موسى وهارون حيث قال : (إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) [الصافات : ١٢٢] أي : من عبادنا الذين حققوا الإيمان ، وغيرهم من المؤمنين لم يحققوا.
أو أن يكون ما ذكرنا ، أي : لو لم يكن الإكرام الذي أكرمه الله ـ وهو النبوة ـ لكان من المؤمنين أيضا ، وإلا ليس في ذكر الإيمان والصلاح لهم كبير منقبة وفضيلة عند الناس ؛ إذ يسمى بهذين كل مؤمن ومصلح ، والله أعلم.
وعن ابن عباس (١) في قوله : (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا) قال : عمله ما جزي في الآخرة.
وقتادة (٢) يقول : آتاه الله عاقبة وعملا صالحا وثناء حسنا ، وقال : فلست تلقى أحدا
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٢٧٧٣٧) و (٢٧٧٣٨) وابن أبي حاتم وابن المنذر بنحوه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٧٥).
(٢) أخرجه ابن جرير (٢٧٧٣٩).