وقال بعضهم : هو اسم ذلك الحجر ، والله أعلم (١).
وقوله : (وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) آية بينة لمن عقل وعرف السبب الذي أهلك قريات لوط ؛ كقوله : (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ. وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [الصافات : ١٣٧ ، ١٣٨] لما ذا أهلكوا؟ أي : تعقلون هذه الأنباء والقصص التي ذكرها الله ـ تعالى ـ في القرآن الكريم ، وكررها ، وأعادها مرة بعد مرة ؛ لأن الأنباء والقصص إنما تذكر للحجاج على الكفرة ، فتكرر وتعاد ؛ ليحتج بها عليهم ، وأمّا الأحكام فإنما هي لأهل الإسلام خاصّة ، فهم يطلبون ما عليهم من الأحكام ؛ فلا تقع الحاجة إلى التكرار والإعادة.
ثم الكفرة كانوا على أصناف ثلاثة ، منها : أهل العناد والمكابرة ، وأهل شك وحيرة ، وأهل استرشاد.
ومن كان همته الاسترشاد يؤمن بها بالبداهة ، وفي أوّل ما وقع في مسامعهم ؛ فلا تقع الحاجة إلى التكرار والإعادة.
وأمّا أهل العناد والمكابرة فإنها تكرر عليهم لعلها تنجع فيهم فيؤمنوا بها ، وهذه الآيات كانت آيات وحججا للتوحيد ، والبعث ، والرسالة ، وعلى ذلك جاءت الرسل بالدعاء إلى التوحيد ، وإلى الإقرار بالبعث والإيمان به ، وإلى الإيمان بالرسل ؛ فشعيب ـ عليهالسلام ـ جمع هذه الخصال الثلاث في قوله : (يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [العنكبوت : ٣٦] دعاهم إلى التوحيد بقوله : (اعْبُدُوا اللهَ) وفيه نهي عن عبادة من دونه ، ودعاهم إلى الإيمان بالبعث بقوله : (وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ) أي : خافوا عذاب ذلك اليوم ، ونهى عن جميع المعاصي بقوله : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ. فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) قد ذكرنا هذا.
قوله تعالى : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٣٦) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٣٧) وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (٣٨) وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ (٣٩) فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً
__________________
(١) ثبت في حاشية أ : ويحتمل قوله : (حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) : أن السجيل لمكان في السماء ، ينزل منه الحجارة ، كذلك قال بعض الناس : فهو نزول العذاب من السماء. وإن كان السجيل هو الطين المطبوخ ، فيكون السجيل بيانا لنوع من الحجارة ، فهو اسم الحجر ، والحجر ينزل من السماء أيضا ، فيكون العذاب واقعا ، والله أعلم بالصواب. شرح.