الإيمان فيما يدعوهم الرسول ، وأنه لو أتى بآية وحجة يؤمنون به ويتبعونه ، وهم فيما يسألون من الآيات والعذاب عالمون أنهم معاندون كذبة متمردون ملبسون مموهون على الأتباع والسفلة ؛ لما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله : (وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً ...) الآية.
فإن قال لنا ملحد : إنه حيث أخّر عنهم العذاب وأمهلهم علم منهم أنهم يستعجلون ، أو لم يعلم ذلك ، فإن قلت : على غير علم منهم فقد أثبت الجهل له ، وإن قلت : على علم منهم ذلك فكيف أمهل ذلك وقد علم ما يكون منهم؟
قيل : إمهاله العذاب عنهم وضرب الأجل رحمة منه لهم وفضل ؛ كأنه قال : ولو لا رحمته التي جعل لهم على نفسه لجاءهم العذاب كما جاء الأمم الخالية عند سؤالهم الرسل العذاب والآيات بالعناد والاستهزاء ، وهو كقوله : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) حيث لم يستأصلهم كما استأصل أولئك.
وقوله : (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) يحتمل قوله : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ) أي : عذاب جهنم محيط يومئذ بالكافرين ، أو النار محيطة بالكافرين.
وجائز أن يكون : أي : يستعجلونك بالعذاب ، وإن أعمال أهل جهنم وأسبابها التي توجب لهم جهنم محيطة بهم ؛ كقوله : (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) [البقرة : ١٧٥] أي : ما أصبرهم على الأعمال والأسباب التي توجب لهم النار ، وإلا لا أحد يصبر على النار ؛ فعلى ذلك جائز أن يكون قوله : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) أي : أسباب جهنم وأعمالهم التي توجب لهم جهنم والنار محيطة بهم ، والله أعلم.
وقوله : (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) كقوله : (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) ـ ظاهر.
قوله تعالى : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (٥٦) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٥٨) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٥٩) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(٦٠)
وقوله : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) في الآية بشارة ونذارة :
أمّا البشارة فقوله : (إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ) وعد لهم السعة في المكان المنتقل إليه والمتحول كما كان لهم في مقامهم.
والنذارة والتحذير : هو قوله : (إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ) فلا تقيموا في أرضكم.