وخلاف ؛ إذ محاربة كل فريق أصحابهم معصية ؛ إذ لم يؤمروا بذلك ، وإنما أمروا بالإسلام ، فدل أن الله مريد لما يعلم أنه يكون منهم ، وإن كان ما يكون منهم معصية.
والثاني : ما أخبر بفرح المؤمنين بغلبة هؤلاء على أولئك أيّ جهة كان فرحهم لإثبات آية عظيمة على رسالة نبيهم ونبوته ؛ على ما ذكرنا أولا أنهم كانوا أهل كتب الله ودراستها أحبوا غلبتهم عليهم ، وفرحوا بذلك ، ولا يحتمل أن يفرحوا بذلك ولم يأمرهم بذلك ، ولا أراد منهم ذلك دل أنهم إنما فرحوا بذلك لما أراد ذلك (١).
والثالث : في قوله : (بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ) دلالة : أن لله في فعل العباد صنعا وتدبيرا حيث ذكر فعل بعضهم على بعض ، ثم سمّى : نصر الله ؛ دل أن له في ذلك تدبيرا.
وقوله : (فِي بِضْعِ سِنِينَ) قيل (٢) : البضع : سبع.
وقيل : ما دون العشر فهو بضع ، وكذلك ذكر في الخبر أن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ لما خاطر المشركين وبايعهم في ذلك بخطر في سنين ذكرها ، فمضت تلك المدة ولم تغلب الروم على فارس ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأبي بكر : «أما علمت أن ما دون العشر بضع كله ، فزد في الأجل ، وزد في الخطر» ، ففعل ذلك ، فلم تمض تلك السنون حتى ظهرت الروم على فارس (٣).
وفي بعض الحديث قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لم تكونوا أن تؤجلوا أجلا دون العشر ؛ فإن البضع ما بين الثلاث إلى العشر ، فزيدوهم ومادوهم في الأجل» (٤) ففعلوا حتى ظهرت الروم على فارس ... فذكر الحديث.
ثم المسألة في المخاطرة التي كانت بين أبي بكر وبين أولئك الكفرة :
أحدها : أن مكة كانت يومئذ دار حرب ؛ دليله : قوله : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ...) الآية [الأنفال : ٣٠] ، وذلك كان قبل الهجرة ، وما أمر بالهجرة ـ أيضا ـ إلى المدينة ، ونحوه كثير ، وذلك كان كله قبل غلبة الروم على فارس ، فإذا كانت مكة يومئذ دار حرب
__________________
(١) ثبت في حاشية أ : في الإرادة : إنه مريد الخير والشر ، فإنه وعد أن تغلب الروم على فارس بقوله : (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) ، ما قولكم : إنه هل أراد أن يخرج؟ شرح.
(٢) قاله ابن عباس أخرجه ابن عبد الحكم عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٢٩١).
(٣) أخرجه أحمد والترمذي وحسنه ، والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير والحاكم وصححه ، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل والضياء عن ابن عباس ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٨٨).
(٤) أخرجه ابن جرير (٢٧٨٧٤) ، وابن أبي حاتم والبيهقي عن قتادة ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٩٠) ، وله شواهد أخرى.