قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ (٨) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٩) ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠) اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١١) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (١٢) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ (١٣) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (١٥) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ)(١٦)
وقوله : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) قد ذكرنا في غير موضع أن كل استفهام من الله وسؤال يخرج على الإيجاب والإلزام ؛ ثم الإيجاب يخرج على وجوه :
أحدها : أن قد تفكروا ونظروا واعتبروا وعرفوا أنه ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق ، لكنهم عاندوا ، وكابروا ، ولم ينقادوا ، ولم يقروا.
والثاني : يخرج على الأمر ؛ أي : تفكروا وانظروا واعتبروا ؛ لتعلموا أنه ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق.
والثالث : على الخبر أنهم لم يتفكروا ، ولم ينظروا ، ولم يعتبروا ، ولم تفكروا واعتبروا لعلموا أنه ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق ، لكنهم لم يتفكروا ، ولم ينظروا بعد ما أعطوا أسباب العلم به ، فلم يعذروا بترك التفكر والنظر والاعتبار.
وعلى هذه الوجوه الثلاثة يخرج قوله : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) ونظروا ، وعلموا ما حل بالمكذبين بالتكذيب ، وما صار عاقبة أمرهم.
أو سيروا في الأرض على الأمر ؛ لتعرفوا ما أصاب أولئك بالتكذيب.
أو لم يسيروا في الأرض ـ على ما ذكرنا ـ لئلا يعلموا عاقبة أولئك.
ثم قوله : (إِلَّا بِالْحَقِ) قيل فيه بوجوه :
أحدها : أن ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق الذي عليهم من الشكر له فيما أنعم عليهم ، والتعظيم له والتبجيل.
والثاني : (إِلَّا بِالْحَقِ) الذي لله عليهم من الشكر له فيما عليهم ؛ أي : ما يحمد بفعله