قومك يا محمد ؛ أي : بقوا فيها أكثر مما بقي فيها الذين أرسلت إليهم.
وقال بعضهم : عاشوا يعمرون الأرض أكثر مما عمرها أهل مكة.
وقال بعضهم : عمروها : عملوا بها أكثر مما عمل هؤلاء.
وبعضه قريب من بعض.
وقال أبو عوسجة (١) : (وَأَثارُوا الْأَرْضَ) أي : حرثوها.
وقال القتبي (٢) : أثاروا : أي : قلبوها للزراعة ، ويقال للبقرة : المثيرة ، وقال الله ـ تعالى ـ : (لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ) [البقرة : ٧١].
وقوله : (أَساؤُا السُّواى) أي : جهنم. وكذلك قال الكسائي : (السُّواى) : هي النار ؛ كقوله : (وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ) [الرعد : ٣٥] أي : كان عاقبتهم النار بما كذبوا بآيات الله واستهزءوا بها.
وقوله : (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى) يحتمل قوله : أساءوا إلى الرسل بالتكذيب وأنواع الأذى.
ويحتمل : أساءوا إلى أنفسهم ؛ حيث أهلكوها وأوقعوها في النار.
و (السُّواى) : اسم من أسماء النار : كالعسرى ، والهاوية ، ونحوهما ، واليسرى والحسنى اسمان من أسماء الجنة.
وقوله : (أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) يذكر أهل مكة ويخوفهم أن ما حل بأولئك القرون الماضية من الإهلاك والاستئصال إنما كان بتكذيب الآيات والاستهزاء بها في هذه الدنيا ، فأنتم يأهل مكة إذا كذبتم الآيات والحجج واستهزأتم بها يصيبكم ما أصاب أولئك بالتكذيب.
والآيات : يحتمل : حجج التوحيد وحجج الرسل في إثبات الرسالة أو آيات البعث.
وقوله : (وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ) يحتمل بالآيات التي ذكرنا ، أو ما أوعدهم الرسل من العذاب والإهلاك ، فاستهزءوا بذلك.
وقوله : (اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) هذا في الظاهر دعوى ، لكنه قد بين فيما تقدم من الآيات ما يلزمهم الإعادة والإحياء من بعد الموت ؛ حيث قال : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ ...) الآية.
وفي قوله : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) وغيرها من الآيات ما يلزمهم الإعادة والإحياء من
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٢٧٩٠٤) عن مجاهد.
(٢) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٣٤٠).