عند الله ، ولم يقل ما قال في الربا المحرم المحظور ؛ حيث قال : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) [البقرة : ٢٧٦] : ذكر المحق وهاهنا ذكر : (فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ) ، أي : لا يزداد ولا يتضاعف.
لكن لو قيل : إنها في الربا المحظور كان جائزا محتملا ، ويكون قوله : (فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ) كقوله : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) [البقرة : ١٦] : إنها إذا لم تربح خسرت ؛ ألا ترى أنه قال : (وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) [التوبة : ٦٩] ؛ دل أنها إذا لم تربح خسرت ؛ فعلى ذلك قوله : (فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ) : إذا لم يرب عنده محقه وخسروا ، فهو ـ والله أعلم ـ لو لا صرف أهل التأويل التأويل إلى الهدايا والعطايا التي يبتغى بها الثواب في الدنيا والمكافأة فيها أكثر مما أعطوا ؛ وإلا جاز صرفه إلى الربا المعروف بين الناس في العقود وكذلك روي في الخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «الهدية يبتغى بها وجه الرسول ، وقضاء الحاجة والصدقة يبتغى بها وجه الله والدار الآخرة» (١).
ثم بين ما الذي يربو عند الله ، وهو ما قال.
(وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ).
ثم اختلف فيه : منهم من قال : هو ما يزكون من زكاة المال ؛ يريدون به وجه الله ؛ فهو الذي يقبله الله ويضاعف عليه.
ومنهم من قال : كل صدقة أعطاها ؛ أراد وجه الله ، لم يرد بها الثواب في الدنيا ـ فهي التي تتضاعف وتزداد عند الله.
(فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ).
وكان يجيء أن يقال : فأولئك هم المضعفون بنصب العين ؛ لأنه هو يضاعف (٢) لهم ، لكن الزجاج (٣) يقول : هو كما يقال : الموسر ـ هو الذي له يسار ، والمقوي ـ هو الذي له القوة ونحوه ؛ فعلى ذلك : المضعف هو الذي له الضعف.
وعندنا : هم المضعفون ؛ لأنهم هم الذين جعلوا الآحاد عشرات والأضعاف المضاعفة ، بتصدقهم ابتغاء وجه الله ؛ فهم المضعفون لأنفسهم ذلك.
ثم يجوز أن يستدل بهذه الآية على إباحة هذه المعاملات التي تجري فيما بين الناس ؛
__________________
(١) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (٢١٥) ، وأبو داود (٤٨١٣) ، والترمذي (٢٠٣٤) ، عن جابر بن عبد الله قال :
قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «من صنع إليه معروف فليجزه ، فإن لم يجد ما يجزه فليثن عليه ؛ فإنه إذا أثنى عليه فقد شكره ، وإن كتمه فقد كفره ، ومن تحلى بما لم يعط كأنما لبس ثوبي زور».
(٢) ينظر : اللباب (٥ / ٤١٧).
(٣) ينظر : معاني القرآن وإعرابه (٤ / ١٨٨).