الثواب والجزاء وجوبه الفضل لا الاستحقاق والاستيجاب وأما العقوبات فوجوبها الاستحقاق ؛ إذ في الحكمة وجوبها ؛ لذلك افترقا.
وجائز أن يكون قوله : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) أي : يجزيهم في الآخرة بالخيرات التي عملوها في الدنيا ، وذلك من فضله به نالوا ذلك وبفضله ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٤٦) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧) اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٨) وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (٤٩) فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٥٠) وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (٥١) فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٥٢) وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٥٣) اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)(٥٤)
وقوله : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ).
إن في الرياح آيات في نفسها ، وفيها بشارات.
أما الآيات : فهي آيات سلطانه وتدبيره من وجوه :
أنه أنشأ هذه الرياح في الهواء وفي الأرض وفي الجبال وفي السماء ، تصيب الخلائق وتميتهم وتؤذيهم وتصرعهم وتضرهم ، من غير أن يروها أو يقع عليها البصر ، ومن غير أن يدركوها أو يدركوا كيفيتها ، أو ما يتهيأ ؛ ليعلم أن من الأجسام ما هي غير مدركة ولا أخذ البصر عليها.
وترى منها طيبة لينة ، وخبيثة وشديدة كاسرة عاصفة ، يعذب بها قوم ، وينصر بها قوم ؛ على ما ذكر في الخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «نصرت بالصّبا ، وأهلك عاد بالدّبور» (١).
__________________
(١) أخرجه البخاري (٢ / ٥٢٠) ، كتاب الاستسقاء : باب قول النبي صلىاللهعليهوسلم نصرت بالصبا (١٠٣٥) ، ومسلم (٢ / ٦١٧) ، كتاب صلاة الاستسقاء : باب في جريح الصبا والدبور (١٧ / ٩٠٠) ، وأحمد (١ / ٢٢٨ ، ٣٢٤) ، وعبد بن حميد (٦٣٧) والبغوي في شرح السنة (٢ / ٦٤٣).