أي : لأقاموا على كفرهم إذا أصابهم ما ذكر ، وهو كقوله : (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) [الشورى : ٤٨] ؛ فعلى ذلك قوله : (لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ) أي : يقنطون من رحمته ، والله أعلم.
وقوله : (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ).
جائز أن يكون (لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) ، يريد بالموتى : أنفسهم ، (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ) الصم : أنفسهم أيضا ، يقول : لا تسمع الكفار والضلال إذا ولوا مدبرين.
أو أن يكون قوله : (لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) كناية عن الكفار ، وكذلك الصم والعمي ، وقد سمى الله الكفار : موتى وصما وعميا في غير موضع من القرآن.
ثم في قوله : (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) حكمة ، وهو ألا يقدر أن يسمع الأصم الدعاء إذا ولى مدبرا ، ولكن يقدر أن يفهم الأصم إذا أقبل ، وأما إذا أدبر فلا يقدر أن يسمعه ، وكذلك الحكمة في قوله :
(وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ).
أي : لا تقدر أن تهدي العمي عن ضلالتهم ، وهو الذي يعمى عن ضلالته ويظن أنه على الهدى وغيره على الضلال ، فأما من كان مقرّا بالضلال فإنك تقدر أن تهديه ، يخبر عن شدة سفههم وتعنتهم وعماهم في ضلالتهم ، والله أعلم.
وقوله : (إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا).
أي : ما تسمع إلا من يؤمن بآياتنا ، هذا يدل على أن قوله : (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ) ، وقوله : (وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ) هي المواعظ لا نفس الهدى ؛ حيث قال : (إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ).
ثم يحتمل قوله : (إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا) كقوله : (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) [يس : ١١] ، أي : إنما ينتفع بإنذارك من اتبع الهدى.
أو أن الذي يقبل النذارة من اتبع الهدى ، فأما من لم يتبع الهدى فلا ينتفع ؛ فعلى ذلك يحتمل قوله : (إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا) ، أي : ما ينتفع أو لا يسمع المواعظ إلا من يؤمن بذلك ، والله أعلم.
وقوله : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً).
هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : قوله : (خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) ، أي : من النطفة ، وهو ما قال في آية أخرى :