سورة الفرقان كلها مكية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (١) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (٢) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً)(٣)
قوله ـ عزوجل ـ : (تَبارَكَ) : قال أهل التأويل (١) : تبارك من التفاعل ، وهو من تعالى ؛ لأن البركة (٢) هي اسم كل رفعة وفضيلة وشرف ، فكان تأويله : تعالى من التعالي والارتفاع.
وقال أهل الأدب : تبارك : هو من البركة ، والبركة هي : اسم كل فضل وبر وخير ، أي : به نيل كل فضل وشرف وبر.
قال أبو عوسجة : (تَبارَكَ) هو تنزيه ؛ مثل قولك : تعالى.
وقال الكسائي والقتبي (٣) : هو من البركة ؛ وهو ما ذكرنا.
وقوله : (نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ) : سماه : فرقانا ؛ قال بعضهم (٤) : لأنه يفرق بين الحق والباطل ، وبين الحلال والحرام ، وبين ما يؤتى وما يتقى ؛ وعلى هذا جائز أن يسمى جميع كتب الله التي أنزلها على رسله فرقانا ؛ لأنها كانت تفرق بين الحق والباطل ، وبين ما يحل وما يحرم ، وبين ما يؤتى وما يتقى ؛ ولذلك سمى التوراة : فرقانا بقوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ) [الأنبياء : ٤٨].
وأما القرآن : هو من قرن بعضه إلى بعض ؛ يقال : قرنت الشيء إلى الشيء إذا ضممته إليه ، قرن يقرن قرنا (٥).
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٦٢٦٨) ، وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ١١٤).
(٢) ينظر : اللباب (١٤ / ٤٧٢).
(٣) ينظر : تفسير غريب القرآن (ص ٣١٠).
(٤) قاله قتادة أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ١١٤).
(٥) ثبت في حاشية أ : ومن لم يهمز القرآن ، وهو قراءة أهل مكة ، فمعناه على وجهين :
أحدهما : أنه من قرأت. بهمزة الوجه الأولى في المعنى إلا أنه حذف همزه استخفافا ؛ لكثرة الاستعمال.
والوجه الثاني : أن وزنه (فعال) ، من (قرنت) ، النون منه لام الفعل سمي بذلك ؛ لأنه قرن السور وما فيها بعضها إلى بعض ، وقال الشاعر :
وكنت أعوذه بالقرآن |
|
وأتفل كفى له حيث جد |
إفصاح.