بتكذيبه ما يصير كافرا وهو سبب كفره ؛ كقوله : (وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ...) الآية [آل عمران : ١٧٦] : كان رسول الله يحزن ويهتم بتكذيبهم إياه فيما يقول ويخبر عن الله ، فيقول : لا يحزنك تكذيبهم إياك ؛ فإنهم إلينا يرجعون فنجزيهم ونكافئهم جزاء التكذيب (١).
والثالث : (فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ) ، أي : فإن ضرر ذلك الكفر عليهم لا عليك ؛ كقوله : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ...) الآية [الأنعام : ٥٢] ، ونحوه من الآيات ، يخبر رسوله ألا يحزن على كفر من كفر ؛ فإن ضرر ذلك يلحقه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا).
هذا وعيد ، أي : إلينا مرجعهم فننبئهم عما غفلوا عنه واختاروه في الدنيا ، فيحفظونه ويتذكرون ما عملوا.
أو أن يكون قوله : (فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا) ، أي : نجزيهم ونكافئهم جزاء أعمالهم ومكافأتهم.
(إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ).
أي : عالم بما كان منهم وما جزاؤهم ، والله أعلم.
وقوله : (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً).
أي : في الدنيا ؛ لأن متاع الدنيا قليل ، على ما وصفه : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ) [النساء : ٧٧] ، أي : يتمتعون [و] يعمرون بذلك القليل.
(ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ).
يذكر هذا مقابل ما ذكر لأهل الجنة ؛ حيث قال : (خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً) [الكهف : ١٠٨] ، فيخبر أن أهل النار يضطرون ويدفعون إلى النار ، لا أنهم يدخلونها اختيارا ؛ كقوله : (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) [الطور : ١٣].
وقوله : (غَلِيظٍ) جائز أن يكون كناية عن امتداده وطوله.
وجائز أن يكون كناية عن شدته وألمه أو جراحته ؛ كقوله : (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ ...) الآية [المؤمنون : ١٠٤].
وقيل : يغلظ عليهم العذاب لونا بعد لون ، والله أعلم.
__________________
(١) ثبت في حاشية أ : لكنه ذكر الكفر ، وأراد به التكذيب ؛ لأنه بتكذيبه ما يصير كافرا ، فيكون سبب كفره ؛ أو كفره سبب حامل له على تكذيبه ، فيجوز أن يذكر الكفر ، ويراد به التكذيب ، وهو كقوله : (فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ ...) إلخ. شرح.