أو أن يكونوا لم يعلموا بجزاء أعمالهم التي عملوها في الدنيا ـ في الآخرة ، والله أعلم.
وقوله : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ).
كأنه يخبرهم ويذكر [هم] : أن ما يأمرهم به وينهاهم عنه ، وما يمتحنهم من جميع أنواع المحن لا لحاجة نفسه أو لدفع المضرة عن نفسه ؛ ولكن لحاجة أنفس الممتحنين ولمنفعتهم ولدفع المضرة عنهم ؛ إذ من بلغ ملكه وغناه وسلطانه المبلغ الذي ذكر حتى كان له جميع ما في السموات والأرض ـ لا يحتمل أن يأمر الخلق وينهى أو يمتحن لحاجة نفسه ؛ ولكن لحاجة الخلق في جر المنفعة ولدفع المضرة.
أو يذكرهم نعمه عليهم ؛ ليتأدى به شكره ، حيث سخر لهم ما ذكر من السموات والأرض وما فيهما ، وحقيقة ملك ذلك كله له.
وقوله : (إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) : الغني بذاته لا يعجزه شيء ، أو غني عمن استغنى عنه ، (الْحَمِيدُ) ، قيل : أهل أن يحمد ويشكر بذاته.
وقيل : حميد في فعاله وصنائعه ، ويكون الحميد بمعنى : الحامد ، ويكون بمعنى : المحمود ، والله أعلم.
وقوله : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) :
لا يحتمل أن يكون ذكر هذا الكلام ابتداء من غير أمر أو سؤال أو خطاب سبق من القوم حتى ذكر هذا ، لكنا ما نعلم ما سبب ذلك؟ وما قصته؟ وما أمره؟ حتى أنزل هذا ، لكن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ يقول : إن اليهود ـ أعداء الله ـ سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الروح وما هو؟ فنزل : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) [الإسراء : ٨٥] أي : من علم ربي ، لا علم لي به ، وتلا قوله : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء : ٨٥] ، أي : يسيرا في علم الله ، فلما قرأ عليهم هذه الآية قالوا : كيف تزعم هذا وأنت تزعم أن من أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ؛ فكيف يجتمع هذا : علم قليل وخير كثير؟! قال : فنزل (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ)(١) ، يقول : تبرى الشجرة أقلاما ، والبحر يمده سبعة أبحر ؛ فتكون كلها مدادا يكتب بها علم الله لانكسرت الأقلام ، ولنفذ المداد ولم ينفذ علم الله ، فما أعطاكم من العلم قليل فيما عنده من العلم كثير فيما عندكم ، إلى هذا يذهب أكثرهم.
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٢٨١٤٨) وابن إسحاق وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٣٢٢) ، وله شاهد من حديث ابن مسعود أخرجه ابن مردويه ، انظره في المصدر السابق.