ما ذكرنا.
ويحتمل قوله : (وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً) ، أي : نسقيه من الماء الطّهور والمنزل من السماء كثيرا من الأنعام ، وكثيرا من الإناس ، وكثيرا ما يسقى من المياه المنتزعة من الأرض (١).
قوله تعالى : (وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (٥٠) وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (٥١) فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً)(٥٢)
وقوله : (وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا) ، أي : صرفنا المطر والسحاب بينهم يمطر في مكان ، ويسوق السحاب إلى مكان ولا يسوق إلى مكان آخر ؛ كقوله : (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ...) الآية [البقرة : ١٤٦] ؛ وكقوله : (فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ) الآية [فاطر : ٩].
يذكرهم في هذه الآيات من قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) إلى قوله : (وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ) ليذكروا تدبيره وقدرته وحكمته ونعمه ؛ أما تدبيره : حيث ترى السحاب في موضع ولا تراه في موضع ، وتراه منبسطا في الآفاق ثم يمطر في موضع آخر ، ولا يرسل في مكان ويرسل في مكان آخر ؛ ليعلم أنه عن تدبير كان هكذا لا بالطبع ؛ لأنه لو كان بالطبع كان ذلك لكان لا جائز أن يمطر في مكان ويترك في مكان آخر ، دل أنه بالتدبير كان ما كان وبالأمر.
وأما قدرته : فما ذكر من إحياء الأرض الميتة بعد موتها ، وإماتتها بعد حياتها مما يعلم كل أحد حياتها وموتها ، ويقر بذلك ، فمن قدر على هذا قادر على إحياء الموتى بعد الموت ، ولا يعجزه شيء.
وأما حكمته : أن ما خلق مما ذكر وأنشأه لم ينشئه عبثا ، يمهلهم لا يأمرهم ولا ينهاهم ، ولا يمتحنهم بشيء ، ولا يجعل لهم عاقبة يثابون ويعاقبون ، ولا يستأدي بهم شكر ما أنعم عليهم من أنواع النعم مما يعجز عقولهم عن إدراكه ، ويقصر أفهامهم عن تقدير مثله ؛ ليعلم أنه قادر بذاته لا يعجزه شيء.
ثم قال : (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) قال الكسائي : الكفور برفع الكاف : الكفر ، والكفور ـ بفتح الكاف ـ : الكافر ، والشّكور ـ بضم الشين ـ : الشكر ، والشّكور ـ بفتح الشين ـ : الشاكر وهو المؤمن ؛ فيكون تأويله : فأبى أكثر الناس إلا كفرا بالله وتكذيبا لنعمه ؛ بصرفهم العبادة إلى غيره ولتفاؤلهم وتطيرهم أن هذا من نوء كذا ، والله أعلم.
__________________
(١) ينظر : اللباب (١٤ / ٥٤٦).