وإن كان الحق قد بان لهم وظهر في الدنيا ، هذا ـ والله أعلم ـ يشبه أن يكون تأويل الآية.
قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (٢٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (٢٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٨) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٢٩) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ)(٣٠)
وقوله : (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) يقول ـ والله أعلم ـ :
أو لم يبين لأهل مكة ، ولم يكفهم من الهداية والبيان ما أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم ، فيرون ما حل بهم ، ومن أهلك ومن نجا منهم ؛ فيقع الاعتبار لهم بمن ذكر من وجهين :
أحدهما : زعموا أن آباءهم على ما هم عليه ، وأنهم يقلدونهم في ذلك ، وأنهم أمروا بذلك ، فيخبر أنكم أولاد من نجا منهم ، لا أولاد من أهلكوا ؛ لأنهم استؤصلوا ؛ فلا يحتمل أن تكونوا أولاد من استؤصلوا ؛ فدل أنهم أولاد من نجا منهم ، وإنما نجا منهم المصدّق لا المكذب ، فيخبر أن كيف لا اتبعتم آباءكم الذين نجوا منهم وهم المصدقون ، دون الذين أهلكوا بالتكذيب والعناد؟!
والثاني : يعتبرون فيعلمون أن إهلاكهم واستئصالهم كان ؛ للتكذيب والعناد مع الرسل والخلاف لهم ؛ فيمنعهم ما حل بهم التكذيب والخلاف للرسل عن تكذيب رسول الله ومجادلتهم إياه.
وقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ).
قال بعضهم : أفلا يبصرون ذلك حيث يمشون في مساكن أولئك ، ويمرّون فيها؟! [و] قال بعضهم : أفلا يسمعون ما يحدث لهم عن أولئك ، وما حل بهم ، وبم نزل ذلك بهم؟!
وقال بعضهم : (أَفَلا يَسْمَعُونَ) : أفلا يعقلون لما ذا أهلكوا أو استؤصلوا ؛ فيمتنعون عن ذلك؟!
وقال بعضهم : أفلا يستمعون الوعيد الذي أوعد لهم.
وقيل : أفلا يستمعون التوحيد ، والله أعلم.
وقوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً ...) إلى آخر ما ذكر.