(وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً).
أي : حافظا يحفظك ويمنعهم عنك ، كقوله : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة : ٦٧].
قوله تعالى : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللاَّئِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٤) ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥) النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً)(٦)
وقوله : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ).
يقول بعض أهل التأويل (١) كذلك : إنها نزلت في رجل يقال [له] : أبو معمر ، وكان من أحفظ الناس وأوعاهم ؛ فقالوا : إن له قلبين : قلب يسمع ، وقلب يحفظ ويعي ؛ فنزل : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ).
ويقول بعضهم كذلك : إنها نزلت في أبي معمر ، وكان يسمى : ذا قلبين ؛ لحفظه الحديث ، حتى إذا كان يوم بدر ، وهزم المشركون ـ وفيهم أبو معمر ـ يلقاه أبو سفيان بن حرب ، وهو معلق إحدى نعليه بيده والأخرى في رجله ؛ فقال : يا أبا معمر ، ما فعل الناس؟ قال : انهزموا ، فقال : ما بال نعلك في يدك والأخرى في رجلك؟ فقال : ما شعرت إلا أنهما جميعا في رجلي ؛ فعرفوا يومئذ أن لو كان له قلبان ما نسي نعله في يده (٢). ونحوه قد قيل ، ولكن لا ندري ما سبب نزول هذا.
وروي عن ابن عباس : أنه سئل عن هذه الآية؟ فقال : كان نبي الله صلىاللهعليهوسلم يصلي يوما ، فخطر خطرة ـ أي : وقع في قلبه ـ فقال المنافقون الذين يصلون معه : ألا ترى أن له قلبين : قلبا معكم ، وقلبا معهم ؛ فأنزلت هذه الآية (٣).
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٨٣١٩) ، وابن مردويه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٤٧) ، وهو قول مجاهد وقتادة والحسن وغيرهم.
(٢) ذكره البغوي في تفسيره (٣ / ٥٠٥ ، ٥٠٦).
(٣) أخرجه الترمذي (٣١٩٩) ، وأحمد (١ / ٢٦٧) ، وابن خزيمة (٨٦٥) ، وابن جرير (٢٨٣١٨) ، وزاد السيوطي في الدر (٥ / ٣٤٧) : ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والضياء في المختارة.