الذين ظاهروا أبا سفيان والمشركين جميعا على رسول الله وأصحابه ، (مِنْ صَياصِيهِمْ) ، أي : من حصونهم.
(وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ) ، وهم المقاتلة ، (وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً) ، وهم النساء والذراري.
(وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها) ، أي : لم تملكوها ، اختلف في قوله : (وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها) :
قال بعضهم (١) : هي أرض مكة.
وقال بعضهم : هي أرض الشام وقراها.
وقال بعضهم (٢) : هي أرض خيبر ، أي : سيورثكم الله إياها : فأما أرض مكة فقد فتحها وتركها في أيدي أهلها ، وكذلك بلاد الشام وقراها.
وعن الحسن (٣) : هي أرض الروم وفارس وما فتح الله عليكم.
وأما خيبر (٤) فقد فتحها وقسمها بين من ذكرنا وجعلها فيئا ؛ فهو أشبه من غيره ؛ ففيه أن من يخلف في ملك غيره وصفا ملكه للآخر وانتقل إليه يسمى : وارثا بموت أو بغيره ؛ حيث قال : (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ ...) الآية ، وكذلك ما قال : (وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ ...) [الزمر : ٧٤] إلى كذا ، وقوله : (يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ) ، أي : يبعثون فيها ، ونحوه ، وكقوله : (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [آل عمران : ١٨٠] ، أي : يبقى [له] ملك السموات والأرض ، أي : لا ينازع فيه. وكذلك يخرج قوله : (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ) [مريم : ٤٠] أي : نبقى فيها ، والخلائق يفنون.
ثم الفائدة في ذكر هذا وأمثاله لنا ، إذ هم قد شاهدوها وعاينوها ، يخرج على وجوه :
أحدها : تعريف لآخر هذه الأمة أن أوائلهم ما قاسوا وما تحملوا من الشدائد والبلايا في أمر هذا الدين ، حتى بلغ هذا المبلغ ؛ فنجتهد نحن كما اجتهد أولئك في حفظ هذا الدين وفي أمره.
والثاني : أمرهم بالتأهب مع العدوّ حتى أمروا بالخندق والتحصن بأشياء ، ثم جاءهم الغوث من الله بغير الذي أمروا ؛ ليكونوا أبدا متأهبين مستعدين لذلك ، ولا يرجون النصر
__________________
(١) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٢٨٤٥٦) ، وعبد الرزاق وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٦٨).
(٢) قاله عكرمة ، أخرجه الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٦٩) ، وهو قول ابن زيد وغيره.
(٣) أخرجه ابن جرير (٢٨٤٥٦) ، وعبد الرزاق وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٦٨).
(٤) سبل الهدى والرشاد (٥ / ٢٢٠ ـ ٢٢٣).