وقوله : (لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَ) ؛ فإنكن معشر أزواج رسول الله تنظرن إلى الوحي ، وتصحبن رسول الله بالليل والنهار ، وترين أفعاله وصنيعه ؛ فإنكن أحق الناس بالتقوى وترك الميل إلى الدنيا والركون إليها ممن لا ينظر إليه ولا يصحبه إلا في الأوقات مرة.
أو أن يكون قوله : (لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) في الفضيلة على غيرهن من النساء ؛ لأنهن يكن أزواج رسول الله في الآخرة ، ويرتفعن إلى درجات رسول الله ويكن معه ؛ فإنكن لستن كغيركن من النساء في الفضيلة والدرجة إن اتقيتن ما ذكرنا : من مخالفة رسول الله واختيار الحياة الدنيا وزينتها ، والميل إليها والركون فيها ، والله أعلم.
وقوله : (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) ، قيل (١) : فلا تلنّ في القول.
(فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) :
قال بعضهم (٢) : أي : فجور وزنا.
(وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) ، أي : خشنا شديدا.
وقال بعضهم (٣) : (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) ، أي : نفاق ، وهذا أولى ؛ لأن أصحاب رسول الله لا يحتمل أن يكون أحد منهم يطمع في أزواج رسول الله نكاحا بحال أو رغبة فيهن ، بعد علمنا منهم أنهم إذا علموا من رسول الله رغبة في أزواجهم طلقوهن ؛ ليتزوجهن رسول الله ؛ فلا يحتمل بعد ما عرف منهم هذا أن يطمع أحد منهم ويرغب في أزواجه نكاحا ، فضلا أن يرغب فجورا ، ولكن إن كان ذلك فهو من أهل النفاق.
وجائز أن يرغبوا فيهن نكاحا ؛ لأنهن أعظم الناس نسبا وحسبا ، وأكرمهم جمالا وحسنا ؛ فجائز وقوع الرغبة فيهن من أهل النفاق ؛ لما ذكرنا ، وأما من أهل الإيمان فلا يحتمل ذلك ؛ لما ذكرنا ، ويدل على ذلك قوله : (وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) ؛ دل هذا أنهن بحيث يرغب فيهن ويطمع.
وقال بعضهم : (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) ، يقول : فلا ترمين بقول يقارب الفاحشة ، فيطمع الذي في قلبه مرض.
(وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً).
يعني : قولا حسنا يعرف ، لا يقارب الفاحشة.
__________________
(١) انظر : تفسير ابن جرير (١٠ / ٢٩٣) ، والبغوي (٣ / ٥٢٧).
(٢) قاله ابن عباس أخرجه الطستي عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٧٣) ، وهو قول عكرمة.
(٣) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٢٨٤٧٥).