وقوله : (وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ) قال بعضهم (١) : الخاشع : المتواضع.
وأصل الخشوع : هو الخوف اللازم في القلب ؛ وهو قول الحسن : يخافون الله في كل حال ، لا يخافون غيره ، ويرجون الله ، ولا يرجون غيره ؛ هكذا عمل المؤمن : يكون حقيقة خوفه ورجائه منه.
وأمّا الكافر فإنه لا يخاف ربه ، ولا يرجو منه ؛ لأنه لا يعرفه ولا يخضع له ، وعلى ذلك المعتزلة إنما خوفهم من أعمالهم السيئة ورجاؤهم منها ـ أعني : من أعمالهم الحسنة ـ لا من الله حقيقة ، وكذلك على قولهم : لا يكون لأحد رجاء في شفاعة رسول الله صلىاللهعليهوسلم إنما رجاؤه في أعماله ؛ لقولهم : أن ليس لله في أفعال العباد شيء من تدبيره ولا تقديره.
وقوله : (وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ) أي : المنفقين في طاعة الله (وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ) قد ذكر أن هذا راجع إلى حقيقة الفعل في الصيام ، والصدقة ، والصدق في القول والمعاملة ، والخشوع منه.
وجائز أن يكون في القبول والاعتقاد ؛ على ما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله : (وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ) فيما لا يحل ؛ كقوله : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ* إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) [المعارج : ٢٩ ، ٣٠].
وقوله : (وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ) قال بعضهم : أي : المصلون لله الصلوات الخمس.
وقال بعضهم : الذاكرين الله كثيرا والذاكرات باللسان على كل حال ، لكن غيره كأنه أولى بذلك ؛ أي : الذاكرين حق الله الذي عليهم كثيرا والذاكرات (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً).
قوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (٣٦) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً (٣٧) ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً (٣٨) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً
__________________
(١) قال سعيد بن جبير : يعني المتواضعين لله في الصلاة ...
أخرجه ابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٨٠).