وقوله : (وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ).
جائز أن يكون ذكره وإخباره : أنه خاتم النبيين ؛ لما علم ـ جل وعلا ـ أنه يسمى غيره بعده نبيّا ؛ على ما قالته الباطنية : إن قائم الزمان هو نبي ؛ فأخبر بهذا أن من ادّعى ذلك لا يطالب بالحجة والدلالة ؛ ولكنه يكذب ؛ وكذلك روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لا نبي بعدي» (١) أخبر أنه ختم به النبوة.
وقوله : (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) ، أي : لم يزل الله بما كان ويكون وبما به صلاحهم عليما.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٤٢) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (٤٣) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً)(٤٤)
وقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً) :
أما أهل التأويل يقولون : اذكروا الله في كل حال وفي كل وقت ، ذكرا كثيرا باللسان. وجائز أن يكون تأويل أمره بالذكر له كثيرا ، أي : اذكروا نعمه ؛ لتشكروا له ، واذكروا أوامره ؛ لتأتمروا ، ونواهيه ومناهيه ؛ لننتهي ، ومواعيده ؛ لنخاف ، وعداته ؛ لنرغب ، واذكروا عظمته وجلاله وكبرياءه ؛ ليهاب ، (ذِكْراً كَثِيراً) ، أي : دائما يذكرون ما ذكرنا ؛ ليكون ما ذكرنا ؛ إذ إنما يكون ذلك بالذكر ؛ والله أعلم.
وقوله : (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً).
البكرة : هي ختم الليل وابتداء النهار ، والأصيل : هو ختم النهار وابتداء الليل ؛ فكأنه أمر بالذكر له ، والخير في ابتداء كل ليل وختمه ، وابتداء كل نهار وانقضائه ؛ ليتجاوز عنهم ويعفو ما يكون منهم من الزلات في خلال ذلك ؛ وعلى ذلك ما روي في الخبر «أن من صلى العشاء الأخيرة والفجر بالجماعة فكأنما أحيا ليلته» (٢).
وجائز أن يكون ذلك ليس على إرادة البكرة والأصيل ؛ ولكن على إرادة كل وقت وكل
__________________
(١) أخرجه مسلم (٣ / ١٤٧١) كتاب الإمارة : باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء (٤٤ / ١٨٤٢) عن أبي هريرة يحدث عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي ، وإنه لا نبي بعدي وستكون الخلفاء فتكثر ، قالوا : فما تأمرنا؟ قال : فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم».
(٢) أخرجه مسلم (٢ / ٤٢) كتاب المساجد : باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة (٢٦٠ / ٦٥٦) عن عثمان بن عفان.