روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من آذاني فقد آذى الله» (١) ، أي : من عصاني فقد عصى الله.
وفي الآية بيان وقوع المراد على الاختلاف والتفاوت من لفظ واحد ؛ لأنه ذكر ـ هاهنا ـ أذى رسول الله ، وعقب الوعيد الشديد من اللعن والعذاب في الدنيا والآخرة ، وذكر في الآية التي قبلها ، حيث قال : (إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَ) [الأحزاب : ٥٣] ، و (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ) [الأحزاب : ٥٣] ، وما ذكر من الأذى ، ثم لا شك أن المفهوم من هذا الأذى المذكور في هذه الآية ـ غير المفهوم من الأذى المذكور في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) ، وأن أحدهما من المؤمنين ، والآخر من الكفار ، وإن كان ظاهر اللفظ في المخرج واحدا ، وكذلك المفهوم من الظلم الذي ذكر في قوله : (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً) [الفرقان : ١٩] غير المفهوم من الظلم الذي قال آدم : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) [الأعراف : ٢٣] ، والمفهوم من الضلال الذي قال موسى : (فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) [الشعراء : ٢٠] غير المفهوم من ضلال فرعون وسائر الكفرة ، وكذلك الفسق ، ومثل هذا كثير ، لا يجب أن نفهم من أمثال هذا شيئا واحدا أو معنى واحدا ، وإن كان اللفظ لفظا واحدا ؛ ولكن على اختلاف الموقع.
وفي الآية دلالة عصمة رسول الله ، وألا يكون منه ما يستحق الأذى بحال ، وقد يكون من المؤمنين والمؤمنات ما يستوجبون الأذى ويستحقونه ؛ حيث ذكر الأذى لرسول الله مطلقا مرسلا غير مقيد بشيء ؛ حيث قال : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ) ، وذكر أذى المؤمنين مقيدا بشرط الكسب ؛ حيث قال : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) ؛ فدل شرط الكسب على أنهم قد يكتسبون ما يستحقون الأذى ، ويكون منهم ما يستوجبون ذلك ، وأما الرسول فلا يكون منه ما يستحق ذلك أو يوجب له ، ولا قوة إلا بالله.
واللعن : هو الطرد في اللعنة ، طردهم عن رحمته ، وبعدهم عنها ، والبهتان : قيل : هو أن يقال [فيه] ما ليس فيه ؛ فبهت : قيل : تحير وانقطع حجاجه.
وقال بعضهم (٢) : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) أنزل في قوم همتهم الزنا بالإماء ، وكانت الحرائر يومئذ يخرجن بالليل على زي الإماء فيتابعونهن ، ويطلبون [ما يطلبون] من الإماء ؛ فكان ذلك يؤذيهم ويتأذين بذلك جدّا ؛ فشكوا ذلك إلى
__________________
(١) أخرجه أحمد (٥ / ٥٤ ، ٥٥) ، وابن أبي عاصم في السنة (٢ / ٤٧٩) عن عبد الله بن مغفل ، وإسناده ضعيف قاله العلامة الألباني في ظلال الجنة.
(٢) قاله الضحاك والكلبي ، كما في تفسير البغوي (٣ / ٥٤٣ ـ ٥٤٤).