ونحوه ؛ يحمده أولياؤه في الآخرة ؛ ويحمده أولياؤه في الأولى ؛ كقوله : (لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ) [القصص : ٧٠].
وجائز أن يكون قوله : (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ) ، أي : له الحمد في إنشاء الآخرة ؛ لأن إنشاء الدنيا وما فيها إنما كان حكمة بإنشاء الآخرة ، ولو لم يكن إنشاء الآخرة لكان خلق ذلك كله عبثا باطلا ؛ فأنشأ الآخرة حتى صار إنشاء الدنيا وما فيها من الخلائق حكمة ؛ فأخبر أن له الحمد على إنشاء ما صار له إنشاء الدنيا حكمة ، والله أعلم.
وقوله : (وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ).
قد تقدم معنى الحكيم والخبير في غير موضع ، وهو الذي لا يلحقه الخطأ في التدبير ، وهو الواضع كل شيء موضعه.
والفلاسفة يقولون : الحكيم : هو الذي يجمع العلم والعمل جميعا ، وهو ما ذكرنا.
أو الحكيم ؛ لما أحكم كل شيء وأتقنه ، حتى شهد على وحدانيته ، ودلّ على إلهيته.
وقوله : (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها).
يخبر أن الأرض مع كثافتها وغلظها لا تحجب عنه ما يدخل فيها وما يخرج منها ، وكذلك السماء مع صلابتها وشدّتها لا تحجب عنه شيئا كما يحجب عن الخلائق.
أو يخبر أن كثرة ما يدخل في الأرض ويخرج منها وازدحامه ، وكثرة ما ينزل من السماء من الأمطار وما يعرج إليه من الدعوات والملائكة ـ لا يشغله عن العلم بالآخر ، كما يشغل الخلائق ؛ لأنه عالم بذاته لا بسبب ، والخلق عالمون بأسباب ؛ فعلمهم بسبب يشغلهم عن الأسباب الأخر ؛ فأما الله ـ سبحانه ـ يتعالى عن أن يشغله شيء ، أو يحجب عنه شيء ، (وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ).
قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٣) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (٥) وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٦) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧) أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (٨) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ