وقيل (١) : هي الطوال.
فكأنه أمر أن يتخذ من الدروع ما يأخذ من الرأس إلى القدم ما يصلح لحرب العدوّ.
وقوله : (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ).
قال بعضهم (٢) : كانت الدروع قبل ذلك صفائح مضروبة ، فسرد نبي الله حلقها بعضها في بعض ، والسرد : المسامير والحلق ، يقول : قدر المسامير في الحلق : لا بدق المسامير وتوسع الحلق ؛ فتسلسل ، ولا تضيق الحلق وتعظم المسامير فتقصم وتكسر ؛ ولكن مستويا لتكون أحكم.
قال أبو عوسجة والقتبي (٣) : (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) ، أي : في النسج ، أي : لا تجعل المسامير دقاقا ؛ فتقلق ، ولا غلاظا ؛ فتكسر الحلق ؛ ومنه قيل لصانع الدروع : سرّاد ، وزرّاد ؛ كما يقال : صراط وسراط وزراط. والسرد : الحرز أيضا ، وقال غيره : السرد : الخروق في طبق الحلق ، وإدخال الحلق بعضها في بعض.
وقوله : (وَاعْمَلُوا صالِحاً).
جائز أن يكون قوله : (وَاعْمَلُوا صالِحاً) ، فيما ذكر من عمل الدروع ، ويحتمل في غيره من الأعمال ، (إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ، هو على الوعيد ، والله أعلم.
وقوله : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) كأنه يقول : سخرنا لسليمان الريح ؛ كما ذكرنا في آية أخرى : (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ) [ص : ٣٦]. وقوله : (غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) ، أي : تجري به الريح في غدوها مسيرة شهر ، وفي رواحها مسيرة شهر ، وذلك آية له ، فمثلها من الآية كان لرسول الله ، حيث أسري في ليلة واحدة مسيرة شهرين من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.
وما كان لسليمان من الملك بالأعوان من الجن والإنس كان لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بنفسه ؛ حيث قال : «نصرت بالرعب مسيرة شهرين» (٤) ، [فإن لم يكن] أعظم مما كان لسليمان فلا يكون دونه.
وما كان لأبيه داود من إلانة الحديد له بلا سبب وما ذكر ـ كان لمحمد انشقاق القمر له ، وذلك أعظم في الآية مما ذكر.
__________________
(١) انظر : تفسير البغوي (٣ / ٥٥٠).
(٢) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٨٧٣٦) وهو مرسل مجاهد والحاكم.
(٣) انظر : تفسير غريب القرآن (٣٥٤).
(٤) أخرجه الطبراني عن ابن عباس ، كما في مجمع الزوائد (٨ / ٢٦٢) وقال الهيثمي : وفيه إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر وهو ضعيف.