ودل قوله : (ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ) أنه كان يأمرهم ويستعملهم في أمور شاقة وأعمال صعبة ؛ حيث ذكر لبثهم في ذلك لبثا في العذاب المهين ، والله أعلم.
قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (١٥) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (١٦) ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ (١٧) وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (١٨) فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (١٩) وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠) وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ)(٢١)
وقوله : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ).
يحتمل الآية التي ذكر لهم في مساكنهم : الجنتين اللتين ذكرهما : إحداهما عن اليمين ، والأخرى عن الشمال ، ويكون لهم فيها عبرة ، فتحملهم على الشكر لربهم عليهما ، والحمد له ، والثناء عليه في تلك النعم.
أو يذكرهم قدرة خالقهم وسلطانه وهيبته ؛ فيحملهم ذلك على الخوف في العواقب ، والعقاب على خلافه ، ورجاء الثواب على طاعته ، فلم يتذكروا.
أو أن يكون الآية التي ذكر لهم في تبديل الجنتين اللتين كان لهم فيهما كل سعة وخصب ، وكل ألوان الفواكه والجواهر ، على غير مئونة تلحقهم ؛ لأنه قال في غير آي من القرآن : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [الأنعام : ١١] فأخبر هاهنا لهم أن لهم في تبديل جنتيهم جنتين آية لو اعتبروا واتعظوا ؛ فلا يقع لهم الحاجة إلى النظر في آثار من تقدم منهم ، بل العبرة في ذلك لهم أكثر ؛ لأنهم عاينوا هذا على ما عاينوا من أنواع النعم ، ثم غير ذلك وبدّل عليهم ، وما تقدم منهم إنما يعرفون ذلك عن خبر يبلغهم ؛ لأن أصلهم قد هلكوا ، وهذا على المشاهدة والمعاينة.
وقوله : (عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ).
قيل : عن يمين الوادي وشماله ، ويحتمل : عن يمين الطريق وشماله ؛ فتكون عن يمينهم وشمالهم.
وقوله : (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ).