كأنه قالت لهم الرسل : (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ) ؛ إذ ذكر أنه بعث فيهم كذا كذا رسولا.
ثم وصف بلدة سبأ أنها طيبة ؛ حيث قال : (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) :
يحتمل ما ذكر من طيبها : هو سعتها وكثرة ريعها ومياهها وألوان ثمارها وفواكهها.
وقوله : (وَرَبٌّ غَفُورٌ) ، أي : إن ربكم إن شكرتم فيما رزقكم وأنعم عليكم رب غفور لذنوبكم.
أو يقال : (وَرَبٌّ غَفُورٌ) ، أي : ستور ، يستر عليكم ذنوبكم ، ولا يفضحكم إذا صدقتموه ، وأطعتموه ، وشكرتم نعمه.
ذكر أن المرأة منهم كانت تحمل المكتل على رأسها ، والمغزل بيدها ، فتدخل البستان ؛ فتمتلئ مكتلها من ألوان الفواكه والثمار من غير أن تمس شيئا بيدها ؛ لكثرة ريعها ونزلها ، والله أعلم.
ثم ذكر سبب تبديل الجنتين اللتين كانت لهم ، وبم كان التبديل؟ وهو ما قال : (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ).
قال بعضهم (١) : كان أهل سبأ إذا مطروا يأتيهم السيل من مسيرة شهر أياما كثيرة ، فعمدوا فسدّوا العرم ، وهو الوادي ما بين الجنتين ، بالصخرة والقبو ، وجعلوا عليه الأبواب ، فلما عصوا ربهم ، فأعرضوا عنه ، وكفروا نعمه ؛ فسلط الله عليهم ـ على ذلك السدّ الذي بنوا الفأرة ؛ فنقبت الردم ، فغشي الماء أرضهم ؛ فعقر أشجارهم ، وأباد أنعامهم ، ودفن محاريثهم ، وذهب بجناتهم.
ومنهم من يقول (٢) : (الْعَرِمِ) : وهو المسنّاة ، واحدها : عرمة ، فذهب السيل الذي أرسل عليهم بالمسناة ؛ فيبست جناتهم ، وأبدل لهم مكان الثمار والأعناب ما ذكر من الخمط والأثل والسدر ؛ حيث قال : (ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ).
الأكل القليل هو الثمر ، والخمط : الأراك.
وقال بعضهم : شجر العضاة ، وهي شجر ذات شوك ، والأثل ، قيل (٣) : هو شبيه
__________________
(١) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٢٨٧٩٣) وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٤٣٧) ، وهو قول الضحاك أيضا.
(٢) قاله عمرو بن شرحبيل ، أخرجه سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٤٣٧).
(٣) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٢٨٨٠٨) وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٤٣٧).