الذي وصفهم والرتبة التي ذكر ، وهو قوله : (وَعِبادُ الرَّحْمنِ) الآية : أن واحدا منهم إذا كفر يضاعف له العذاب ؛ يتضاعف عذابه على قدر منزلته ومرتبته عند الله ، وعلى قدر نعم الله عليه إذا كان منه عصيان وكفران لذلك ، وهو كما قال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً. إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ) [الإسراء : ٧٤ ، ٧٥] أي : ضعف عذاب الحياة ، وضعف عذاب الممات ، وما ذكر ـ أيضا ـ لأزواجه حيث قال : (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) [الأحزاب : ٣٠] ، كل من كان أعظم قدرا وأكثر نعما عليه ، فعقوبته إذا عصى ربه أكثر وأشد من الذي لم يبلغ ذلك ولا تلك الرتبة ، فيكون ضعف غيره وجزاء مثله.
والثاني : أن يكون ذلك للأئمة ـ أعني : الكفرة والرؤساء ـ دون الأتباع ؛ لأنهم عملوا هم بأنفسهم ودعوا غيرهم إلى ذلك ؛ كقوله : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) [العنكبوت : ١٣].
أو أن يكون ذلك لهم العناد الذي كان منهم والمكابرة.
ثم استثنى من تاب منهم ، فقال : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً ...) الآية ، في الذين قال : (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) ، فكان فيه دلالة قبول توبة المرتد إذا تاب ورجع إلى الإسلام ؛ حيث استثنى من تاب منهم.
وقوله : (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) : هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : يوفقهم الله إذا تابوا وندموا على ما فعلوا من السيئات في الدنيا ؛ حتى يعملوا مكان كل سيئة عملوها حسنة ؛ فذلك معنى تبديل الله سيئاتهم حسنات ، أي : يوفقهم على ذلك.
والثاني : يبدل الله سيئاتهم حسنات في الآخرة ؛ لما كان منهم الندامة والحسرة على كل سيئة كانت منهم في الدنيا ، وعلى ذلك روي عن أبي هريرة قال : «ليأتين أقوام يوم القيامة ودوا أنهم استكثروا من السيئات ، فقيل له : يا أبا هريرة ، ومن هم؟ قال : هم الذين يبدل الله سيئاتهم حسنات» (١) ؛ وكأنه روي مثله عن عبد الله بن مسعود.
وقوله : (وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً) لا يرجع عنها أبدا ، وعلى ذلك يخرج قوله : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) [الأنفال : ٦٥] على الأمر ؛ دليله قوله حيث قال : (خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ) الآية [الأنفال : ٦٦].
والثاني : أن يكون ذلك لقوم خاص ، علم الله أنهم إذا تابوا توبة لا يرجعون عنها أبدا ،
__________________
(١) أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه كما في الدر المنثور (٥ / ١٤٦).