شيئا ولا تحييه ولا تميته ؛ كقوله : (وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً) [الفرقان : ٣].
وقال بعضهم (١) : (وَما يُبْدِئُ) الشيطان الخلق فيخلقهم (وَما يُعِيدُ) خلقهم في الآخرة فيبعثهم بعد الموت ، بل الله يفعل ذلك.
أو أن يكون قوله : (قُلْ جاءَ الْحَقُ) أي : حجج الحق ، (وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ) ، وما أبدأ الباطل ، أي : لا يقذف بحجج الحق علام الغيوب :
قال بعضهم : هو ما ذكر في آية أخرى : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ ...) إلى آخر الآية [الأنبياء : ١٨] ، قال : يزهق الباطل ويثبت الحق ، أي : نقذف بالحق على الباطل فيهلك الباطل ويثبت الحق ، وهو أيضا ما ذكر : (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) [الرعد : ١٧].
وقوله : (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ) ، بكسر اللام ونصبها كلاهما لغتان.
قال الكسائي : تقول العرب : ضلّ يضلّ ضلالة ، وضلّ يضلّ بالخفض والنصب جميعا.
ثم قوله : (إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي) يخرج على وجهين :
أحدهما : إن ضللت فإنما يكون ضرر ضلالي على نفسي ، لا يكون على الله من ذلك شيء ؛ كقوله : (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) [الإسراء : ٧] ، وقوله : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) [فصلت : ٤٦].
والثاني : إن ضللت فإنما يكون ذلك على نفسي ، ولا يكون على أنفسكم من ضلالي شيء ؛ كقوله : (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) [هود : ٣٥] ، ونحوه.
وقوله : (وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) ، هذا يخرج أيضا على وجهين :
أحدهما : وإن اهتديت إلى طاعة الله وشرائع الدين فبما يوحي إليّ ربي في ذلك ، أي : فبوحيه اهتديت إلى ذلك.
والثاني : وإن اهتديت إلى دينه وهدايته فبتوفيقه إياي وعصمته اهتديت ، أضاف الهداية إلى الله والضلال إلى نفسه ، فهو لما ذكرنا أن كان من الله إليه لطف في ذلك ليس ذلك في الضلال ، وعلى قول المعتزلة يجيء أن يكون المعنى فيها واحدا ؛ لأنهم يقولون : إنه لا يكون من الله سوى [الأمر] والنهي ؛ فلا يكون منه إليه في الهداية إلا كما كان منه إليه في الضلال ، والله أعلم.
وقوله : (إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ).
__________________
(١) قاله قتادة ، أخرجه عبد بن حميد وابن جرير (٢٨٨٨٥) ، وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٤٥١).