سورة فاطر وهي نزلت بمكة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢) يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ)(٤)
قوله ـ عزوجل ـ : (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
ما ذكر في القرآن الحمد لله إلا وذكر على أثره التعظيم لله والإجلال له على ما أنعم به [على] الخلق ؛ ليلزمهم الشكر له والثناء عليه ؛ نحو ما ذكر : (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، ونحو ما قال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ...) الآية [سبأ : ١] ، ونحو قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ...) الآية [الأنعام : ١] ، وقوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ ...) الآية [الكهف : ١] ، وقوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ...) الآية [الإسراء : ١١١] ، جميع ما ذكر في القرآن من الحمد له ما ذكر على أثره ما يوجب التعظيم له والتبجيل والثناء عليه والشكر له ؛ تعليما منه الخلق الثناء على ذلك والشكر له ، وبالله المعونة والقوة على ذلك.
وقوله : (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
قال بعضهم : الفاطر : هو المبتدئ والبادئ ؛ وهو قول القتبي من أهل الأدب ، وكذلك ذكر عن ابن عباس أنه قال : «ما أدري ما (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، حتى جاء أعرابيان فاختصما في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها أنا بدأتها ، فعند ذلك عرفت» (١) ، أو كلام نحوه.
ويجيء أن يكون الفاطر هو الشاق ، أي : شق السماوات كلها من واحدة وكذلك الأرضين كقوله : (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) [الانفطار : ١] أي : انشقت ؛ كما قال : (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى) [الأنعام : ٩٥] أي : الشاق.
لكن جميع ما أضيف إلى الله من الشق والفطر والجعل وغيره من نحو قوله : (جاعِلِ
__________________
(١) أخرجه أبو عبيد في فضائله وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب كما في الدر المنثور (٥ / ٤٥٨).