[الإسراء : ٢٨] ، أي : من رزق ، وكله واحد ؛ إذ الخير يشتمل على العافية والرزق ، وكذلك كل واحد من ذلك.
وقال بعضهم : الرحمة والغيث والمطر ، وهو ما ذكرنا كله يرجع إلى واحد من ذلك.
ثم قوله : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ) يخرج على وجهين :
أحدهما : على تسفيه أحلام الكفرة في عبادتهم الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله ، يقول ـ والله أعلم ـ : تعلمون أنتم أنه ليس لكم مما تعبدون من دون الله جرّ نفع أو خير ، ولا كشف ضر عنكم أو سوء فكيف تعبدونها؟! كقوله : (قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ ...) الآية [الزمر : ٣٨] ، أي : تعلمون أنهن لا يملكن ذلك ، والله هو المالك لذلك كله ، فكيف صرفتم العبادة إليها عنه؟!
أو يقول : إنكم تعلمون أن ما تعبدون من الأصنام من دون الله لا يرزقونكم ولا منها تبتغون الرزق ، ولا كانت منها إليكم سابقة نعمة ، فإنما يعبد لإحدى هذه الوجوه من يعبد : ما لسابقة نعمة ، أو نيل خير ، أو جر نفع ، أو كشف ضر ، أو دفع سوء ، أو طمع في العاقبة ، فإذا لم يكن شيء من ذلك [من] الأصنام ومن الله ذلك كله فكيف صرفتم عبادتكم عنه إليها؟! كقوله : (إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [العنكبوت : ١٧] هذا إذا كان قوله : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ) راجعا إلى الكفرة وإذا كان ذلك راجعا إلى المؤمنين فهو يخرج على وجهين : أحدهما : فيه قطع الطمع من الخلق والإياس عما في أيديهم ، وألا يرجوا من دونه ولا يخافوا غيره ، بل فيه الأمر بأن يروا ذلك كله من الله ، وأنه هو المالك لذلك دون الخلق.
والثاني : قطع طمع الرزق من المكاسب والأسباب التي يكتسبونها والأمر فيها ـ أعني : المكاسب ـ أن يرونها تعبدا ، وأن يروا أرزاقهم من فضل الله.
وعلى قول المعتزلة إذا فتح الله لأحد رحمة يقدر عبد في أن يمسك ذلك ، وإن أمسك هو قدر أن يرسل ؛ لأنهم يقولون : إن الله إذا جعل لأحد أجلا وضمن له الحياة ووفاء الرزق إلى مضي الأجل ، يجيء عدو من أعدائه فيقتله قبل انقضاء أجله واستيفاء رزقه ؛ فذلك منع ـ على قولهم ـ عن وفاء ما ضمن وما جعل له من المدة والأجل (١).
__________________
(١) ثبت في حاشية أ : ثم الآية حجة على المعتزلة ؛ فإن الله تعالى أخبر أنه إذا فتح لأحد رحمة لا يقدر أحد من العباد أن يمسكها ، وإذا أمسك هو لا يقدر أحد أن يرسل ، وهم يقولون : إن الله ـ تعالى ـ إذا فتح ... إلخ ، شرح.