يخبر عن علمه السابق من أول منشئهم إلى آخر ما يكونون وينتهون إليه ، أنه كان كله بذلك التقدير الذي كان منه ، والله أعلم.
وقوله : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ).
قال بعضهم : قوله : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ) أي : ما يطول من عمره وإن طال ، وما ينقص من عمره ، أي : ما نقص وقصر من ذلك ولم يطل (إِلَّا فِي كِتابٍ) ، أي : إلا كان ذلك كله في الكتاب مبينا هكذا مطولا.
وقال بعضهم : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ) أي : من كثر عمره وطال أو قل عمره ، فهو يعمر إلى أجله الذي كتب له ، ثم قال : (وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ) كل يوم وكل ساعة حتى ينتهي إلى آخر أجله (إِلَّا فِي كِتابٍ) : في اللوح المحفوظ المكتوب قبل أن يخلقه.
(إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) قال صاحب هذا [التأويل :] إن كتاب الآجال حين كتبه الله في اللوح المحفوظ على الله هين.
وقال آخر قريبا من هذا في قوله : (وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ) في جري الليل والنهار والساعات (إِلَّا فِي كِتابٍ) ، وذلك أن الله ـ تعالى ـ كتب لكل نسمة عمرا تنتهى إليه ، فإذا جرى عليها الليل والنهار نقص ذلك عمرها حتى يبلغ ذلك أجلها ، فمن قضي له أن يعمر حتى يدركه الكبر أو عمر دون ذلك ، فهو بالغ ذلك الأجل الذي قضي له ، وكان ذلك في كتاب ينتهون إليه.
(إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) يقول قائل هذا : إن حفظ ذلك على الله بغير كتاب يسير هين.
وجائز أن يكون قوله : (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) ، أي : أن علم ما ذكر وتقديره من أول ما أنشأهم وتغيير أحوالهم إلى آخر ما يكونون وينتهون إليه ـ يسير ، أي : لا يخفى عليه.
وقوله : (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ).
فيه وجوه من المعتبر :
أحدها : يذكر ألا يستوي في الحكمة الخبيث من الرجال والطيب منهم ، كما لا يستوي المالح من الماء الأجاج والعذب منه والسائغ ، وقد استوى الطيب من الرجال والخبيث في منافع الدنيا ومأكلاتها ، وفي الحكمة التفريق بينهما والتمييز ؛ دل أن هنالك دارا يميز بينهما ويفرق ؛ إذ قد يستوي في منافع [الدنيا] وحطامها ، وفي الحكمة التفريق والتمييز لا الجمع والاستواء ، وذلك يدل على البعث.
والثاني : فيه أن المنشأ من الأشياء في هذه الدنيا والمخلوق فيها لم ينشئها لحاجة نفسه ، ولكن لحوائج الخلق ومنافعهم وما يكون لهم العبرة في ذلك ؛ إذ من أنشأ شيئا