[و] يجزيهم على ذلك الجزيل من الثواب ، والله أعلم.
وقوله : (لَنْ تَبُورَ).
قال أبو عوسجة والقتبي (١) : (لَنْ تَبُورَ) أي : لن تفنى أو لن تكسد ، يقال : بارت التجارة تبور فهي بائرة : إذا كسدت.
(لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ) : من الإيفاء ، يقال : أوفيته حقه ، أي : أعطيته [حقه] كله.
قوله تعالى : (وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (٣١) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٣٣) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (٣٤) الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (٣٥) وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٣٧) إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ)(٣٨)
وقوله : (وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) : يا محمد ، (مِنَ الْكِتابِ) : وهو القرآن ، (هُوَ الْحَقُ) : أنه من عند الله ، (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) أي : موافقا للكتب التي قبله.
ثم يكون وفاقه إياها بأحد شيئين :
إما في الأخبار والأنباء : أن توافق الأنباء والأخبار التي في القرآن أنباء الكتب المتقدمة وأخبارها ويصدق بعضها بعضا ، فكذلك كانت الكتب كلها داعية إلى توحيد الله والعبادة له والطاعة.
أو توافق الأحكام ، فإن كانت الموافقة في الأحكام ففيها الناسخ والمنسوخ مختلفة ؛ ألا ترى أن في القرآن ناسخا ومنسوخا ، ثم أخبر أنه لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ، ولو كان الناسخ والمنسوخ خلافا في الحقيقة لكان من عند غير الله على ما أخبر ، فدل أن بينهما وفاقا ليس باختلاف.
وقال بعضهم : إن محمدا يصدق ما قبله من الكتب والرسل ، وهو ما ذكرنا : أن جميع الكتب والرسل إنما دعوا الخلق إلى توحيد الله وعبادته.
__________________
(١) انظر : مجاز القرآن لأبي عبيدة (٢ / ١٥٥).