ونكتب أيضا آثارهم وهو ما سنوا من سنة من خير أو شر فاقتدي بهم من بعد موتهم ، على ما ذكر في الخبر : «إن من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سن سنة سيئة ، فله وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» (١) ؛ وهو كقوله أيضا : (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) [القيامة : ١٣].
وقال بعضهم (٢) : (وَآثارَهُمْ) أي : خطاهم التي خطوها في الخير والشر.
وقال قتادة : لو كان الله مغفلا شيئا من شأنك يا ابن آدم ، أغفل ما تعفى الرياح من هذه الآثار ، وروي على هذا عن ابن عباس وأبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنهما ـ قالا : «إن الأنصار كانت منازلهم بعيدة من المسجد [فأرادوا] أن ينتقلوا قريبا من المسجد ، فنزل : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ) ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إن آثاركم تكتب» (٣) ؛ فلم ينتقلوا ، فإن ثبت هذا فهو دليل لمن يقول بالآثار : الخطا.
وقوله : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ).
أي : كل شيء من أعمالهم من خير أو شر محصى محفوظ (فِي إِمامٍ مُبِينٍ).
يحتمل قوله : (فِي إِمامٍ مُبِينٍ) ، أي : في الكتاب الذي تكتب [فيه] أعمالهم في الدنيا ؛ كقوله : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) [الإسراء : ٧١] أي : بكتابهم الذي كتبت أعمالهم فيه ؛ ألا ترى أنه قال : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ ...) الآية [الحاقة : ١٩].
ويحتمل (فِي إِمامٍ مُبِينٍ) : في أم الكتاب ، وهو اللوح المحفوظ ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤) قالُوا ما أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ (١٥) قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ
__________________
(١) قاله مجاهد أخرجه ابن جرير (٢٩٠٧٦ ، ٢٩٠٧٧) وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٤٨٨).
(٢) أخرجه ابن جرير (٢٩٠٧٨) وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٤٨٨).
(٣) أخرجه ابن ماجه (٢ / ٩١) كتاب المساجد والجماعات : باب الأبعد فالأبعد من المسجد (٧٨٥) ، وابن جرير (٢٩٠٦٩ ـ ٢٩٠٧٠) ، والفريابي وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر والطبراني وابن مردويه كما في الدر المنثور (٥ / ٤٨٨) ، عن ابن عباس ، وأخرجه الترمذي (٥ / ٢٧٨) ، في التفسير باب «ومن سورة يس» (٣٢٢٦) ، وابن جرير (٢٩٠٧٣) وعبد الرزاق ، والبزار ، وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب كما في الدر المنثور (٥ / ٤٨٨) ، عن أبي سعيد الخدري.