ويحتمل وجها آخر : أن الذي أصابكم كان مكتوبا في أعناقكم ، أإن وعظتم بالله تطيرتم بنا (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ).
قوله تعالى : (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١) وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (٢٣) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧) وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ (٢٩) يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٠) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (٣١) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ)(٣٢)
وقوله : (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ).
قال عامة أهل التأويل (١) : إن هذا الرجل يسمّى : حبيب النجار ، وهو من بني إسرائيل ، كان في غار يعبد الله ، فلما سمع بالرسل ، نزل وجاء ، فقال ذلك ما قال ، لكن لا ندري من كان؟ وليس لنا إلى [معرفة] اسمه حاجة.
ثم يحتمل قوله : (مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى) رغبة في الرسل وفي دينهم فدعاهم إلى اتباع الرسل.
أو أن يكون كان مؤمنا مسلما مختفيا ، فلما بلغه خبر إهلاك الرسل ، جاء يسعى ؛ إشفاقا عليهم ؛ لئلا يهلكوا ـ أعني : الرسل ـ فقال : (يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ. اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ) أي : اتبعوا الهدى ، والهدى مما يجب أن يتبع ، ولا يسألكم على اتباع الهدى أجرا ؛ فيمنعكم الأجر عن اتباع الهدى.
أو أن يقول : اتبعوا المرسلين ، واعلموا أنهم مهتدون حيث لا يسألونكم أجرا وهم مهتدون في الدنيا ولا العز ؛ إذ كل من لا يسأل هذا فهو مهتد ، وكل مهتد متبع ، وهذا يدل أن طلب الأجر في ذلك مما يجعل صاحبه معذورا في ترك الاتباع ؛ وكذلك قوله : (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) [الطور : ٤٠] ، أي : لا يسألكم أجرا حتى يمنعكم ثقل الأجر عن إجابته واتباعه ، وهذا ينقض ويبطل قول من يبيح أخذ الأجر على تعليم القرآن
__________________
(١) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٢٩٠٩٧) ، وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٤٩١).