قال بعضهم (١) : أي أوجبت له الجنة [و] ما ذكر للشهداء وأري الثواب ؛ فقال عند ذلك : (يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ. بِما غَفَرَ لِي رَبِّي ...) الآية.
ويحتمل دخول الجنة ما ذكر للشهداء : (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ) الآية [آل عمران : ١٦٩ ، ١٧٠].
أو أن يكون قوله : (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) أن يقال له في الآخرة كقوله لعيسى بن مريم : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي) [المائدة : ١١٦] ، وإنما هو أن يقال له يومئذ ؛ فعلى ذلك يحتمل الأول.
وقوله : (يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ. بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ).
قيل : إنه نصحهم حيّا وميتا ، ولم يترك نصحهم لمكان ما عملوا وفعلوا به من السوء وأنواع التعذيب ، ولكن تمنى أن ليت قومي أن يكونوا يعلمون ما أعطي هو بالإيمان بربه والتصديق برسله ؛ ليعطوا مثل ما أعطي هو ، وهكذا الواجب على كل مؤمن ألا يترك النصيحة لجملة المؤمنين ، وإن لحقه منهم أذى أو سوء.
وقال قتادة : ولا يلقى المؤمن إلا ناصحا ، ولا يلقى غاشّا ؛ لما عاين ما عاين من كرامة الله ، قال : (يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) تمنّي والله أن يعلم قومه ذلك ؛ ليعلموا أن أهل الإيمان ليسوا بأهل غش ولا نذالة لعباده.
وقال : قيل لروحه : ادخل الجنة ، فتمنى روحه أن يعلموا إلى ما صار هو ، ليؤمنوا بالرسل ولا يكذبوهم.
وقوله : (وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ).
أي : من بعد قتل ذلك الرجل (مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ) : من الملائكة ، أي : لم ننزل على قومه في هلاكهم بعد صنيعهم بمكانه وإهلاكهم إياه ـ جندا من السماء ، ولكن أهلكوا بصيحة واحدة ، أي : لم نفعل بهم كما يفعل ملوك الأرض إذا قتل رسلهم وأهلك أولياؤهم ، يبعثون بجنود في استئصال من فعل ذلك بهم ، ولكن أهلكهم بصيحة واحدة.
ثم يحتمل قوله : (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) ، أي : قدر صيحة واحدة ، أي : أهلكوا بقدر صيحة واحدة في سرعتها.
ويحتمل الإهلاك بالصيحة ، أي : أهلكوا بالصيحة ، والله أعلم.
وقوله : (فَإِذا هُمْ خامِدُونَ).
قيل (٢) : موتى مثل النار إذا خمدت وطفئت ، لا يسمع لها صوت.
__________________
(١) قاله مجاهد أخرجه ابن جرير (٢٩١٠٧ ، ٢٩١٠٩) وعبد بن حميد ، وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٤٩١).
(٢) قاله السدي أخرجه ابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٤٩٢).