استطاعة الفعل تكون مع الفعل لا تتقدم الفعل ؛ لأنها لو كانت تتقدم ، لكانوا يستطيعون التوصية والرجوع إلى أهلهم إذا قامت بهم ؛ دل هذا على أنها لا تتقدم الفعل ، لكنها تقارنه وتجامعه ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (٥١) قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (٥٢) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٥٣) فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٤) إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ (٥٥) هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ (٥٦) لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ (٥٧) سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) (٥٨)
وقوله : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ).
قد ذكرنا القول في الصور في غير موضع ، واختلافهم في ذلك :
قال قائلون : الصور : هو شبه القرن ينفخ فيه ، وعلى ذلك روي عن عبد الله بن عمرو قال : سئل النبي صلىاللهعليهوسلم عن الصور فقال : «قرن ينفخ فيه» (١) ، فإن ثبت فقد كفينا مئونة الاشتغال بغيره.
وقال قائلون : هو على التمثيل لا على التحقيق ، لكنه ذكر النفخ ؛ لسرعة أمرها وقيامها ؛ إذ ليس شيء أسرع نفاذا ولا أخف من النفخ ، فهو عبارة عن سرعتها ونفاذها ؛ كقوله : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) [النحل : ٧٧] ، وهو قوله : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ).
قال أهل التأويل : ينفخ في الصور ثلاثا بين كل نفخة مهلة كذا كذا سنة ، يقولون : في النفخة الأولى يصعق فيها كل شيء مما خلق الله ؛ كقوله : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) [الزمر : ٦٨] ، ثم ينفخ ثانيا فيحيون بها ويخرجون من قبورهم ، وهو قوله : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) ، وينفخ ثالثا ، فيجتمعون عند ربهم ، وهو قوله : (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) ، والله أعلم بذلك.
والنسل : هو سرعة الخروج ، أي : يسرعون ، قال أبو عوسجة : النسل : هو المشي (يَنْسِلُونَ) أي : يمشون ، لكنه مشي مع سرعة ، وهما واحد.
__________________
(١) أخرجه الترمذي (٤ / ٢٢٦) أبواب صفة القيامة والرقاق والورع : باب ما جاء في شأن الصور (٢٤٣٠) ، وأبو داود (٢ / ٦٤٩) ، كتاب السنة : باب في ذكر البعث والصور (٤٧٤٢) ، وأحمد (١٦٢ ، ١٩٢) ، وابن حبان (٧٣١٢) ، والحاكم (٢ / ٤٣٦).