ذلك على يده خطأ وجهلا.
وفيه دلالة أن الرجل قد ينهى ويؤاخذ بما يجري على يده خطأ وجهلا ، ويخاطب بذلك حيث قال : (فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ).
ثم قال : (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ) : وهو حين قال ذلك الرجل (١) : (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ) الآية [القصص : ٢٠] ، فخرج منها خائفا يترقب ، وذلك فراره منهم.
وقوله : (فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) : قال بعضهم (٢) : قوله : (فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً) أي : نبوة.
وقال بعضهم : حكما ، أي : منّ عليّ بالحكم وجعلني من المرسلين ، وقد كان ذلك له كله.
وقوله : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) : وهو استعبادك إياهم ، أي : إذا ذكرت هذا فاذكر ذاك ، هذا يحتمل وجوها.
أحدها : أن تذكر ما أنعمت عليّ وتمنها ، ولا تذكر مساوئك ببني إسرائيل ، وهو استعبادك إياهم ، أي : إذا ذكرت هذا فاذكر ذاك.
والثاني : أن تلك نعمة تمنها عليّ حيث لم تعبدني وعبّدت بني إسرائيل ، يخرج على قبول المنة منه.
والثالث : وتلك نعمة لو خليت عن بني إسرائيل ولم تستعبدهم لولوا ذلك عنك ، وتمام هذا يقول موسى لفرعون : أتمن عليّ يا فرعون بأن اتخذت بني إسرائيل عبيدا ، وكانوا أحرارا فقهرتهم؟!
وقال موسى : (فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) أي : من الجاهلين بذلك أنه يتولد من وكزته الموت ؛ وكذلك روي في بعض الحروف : وأنا من الجاهلين ؛ دل أنه على الجهل ما فعل ذلك لا على القصد.
وقال بعضهم (٣) في قوله : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَ) يقول : وهذه منة تمنها بقوله : (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً) يقول : تمن بها عليّ أن تستعبد بني إسرائيل ، وتمنّ عليّ بذلك.
ثم قال فرعون لموسى : (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) ، فقال له : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا) : من خلق ، (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) ، ثم قال لمن حوله : (أَلا تَسْتَمِعُونَ).
__________________
(١) ينظر : اللباب (١٥ / ١٥ ، ١٦).
(٢) قاله السدي ، أخرجه ابن جرير (٢٦٦١٣) ، وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ١٥٥).
(٣) قاله ابن جريج وقتادة ، أخرجه ابن جرير عنهما (٢٦٦١٥) ، (٢٦٦١٧).