ومنه عرف؟!
قيل : هكذا لكن انقطاع الكهنة من بعد وحديثهم يدل على أن ذلك قد كان ، ثم انقطع ذلك بالرسالة والوحي ، والله أعلم.
فإن قيل : فإذا ولوا الملائكة حفظ السماء وحرسها كيف أغفلوا عما ولوا من حفظها وحرسها وامتحنوا حتى أمكن أولئك من الاستماع والاختطاف وما ذكر؟
قيل : جائز أن يشتغلوا هم بأعمال ويمتحنون بأمور أخر سوى ذلك ، فيمكن ذلك لهم ما ذكر ، والله أعلم.
فإن قيل : كيف كانت صنعة الشياطين من الاستماع منهم والخطف ، وقد رأت وعاينت ما أصاب من فعل ذلك من القذف والرمي والاحتراق؟
قيل : إن الشياطين عادتهم طلب الغفلة في كل وقت ، فجائز أن يكونوا فعلوا ذلك لما كانوا يظنون ويقع عندهم أنهم في غفلة وسهو من أمورهم ، وإن كانوا يعلمون ما يصيب من فعل ذلك ، والله أعلم.
ثم جائز أن يستدل بقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ ...) الآية [الجن : ٩] ، يقول علماؤنا فيمن حلف ألا يكلم فلانا ، فناداه من حيث لا يستمع : لا يحنث ، وإذا ناداه من حيث يسمع حنث وإن لم يسمع ؛ لما ذكر (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ) [الجن : ١٩] ، ومعلوم أنهم كانوا يقصدون من الأرض إلى الملأ الأعلى ، لكن لا يسمعون ، ثم لم يذكر ذلك منهم إلا في المكان الذي يسمع ؛ دل أنه على ما ذكرنا من الدلالة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى).
الأشراف منهم وأهل المنزلة والكرامة ، ويحتمل الجماعة ؛ لأن الملأ هو اسم للشيئين : للجماعة منهم ، واسم لأهل الشرف والمنزلة.
ثم لا ندري كيف سماع الجن من الملائكة؟ وما سبب ذلك؟ أن تكون تلك الأخبار وما يريد الله ـ عزوجل ـ إحداثه في الأرض مكتوبا في كتاب ينظرون فيه فيعلمونه ، أو ليتحدث الملائكة فيما بينهم بذلك فيستمع هؤلاء منهم ذلك ، أو كيف جهة سماعهم ذلك منهم؟ وما يشبه ذلك ، والله أعلم.
وفيه أن الجن تفهم كلام الملائكة وإن اختلفت جواهرهم ، والله أعلم.
قوله تعالى : (فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ(١١) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (١٢) وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ (١٣) وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (١٤) وَقالُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (١٥)