وأني رسول الله» ، فقالوا : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) [ص : ٥] ، وذكر أنهم قالوا : (أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ).
ويحتمل ما ذكرنا فيما تقدم ، والله أعلم.
والآية فيمن يقر بالصانع ليس فيمن ينكر الصانع رأسا من نحو الدهرية وغيرها ؛ حيث نفى الألوهية لمن دونه وأثبتها لله ـ عزوجل ـ بقوله : (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) ولو كان ذلك مع أهل الدهر ، لكان لا معنى لنفي الألوهية لغيره ، بل يحتاج إلى تثبيتها فحسب ؛ فدل أن الآية فيمن يقر بالصانع ، لكنه يشرك غيره فيها وهم مشركو العرب وغيرهم ، والله أعلم.
ثم أخبر عن رسوله صلىاللهعليهوسلم وصدقه حيث قال ـ عزوجل ـ : (بَلْ جاءَ بِالْحَقِ) وهو كل آياته : من التوحيد ، والإسلام ، والرسالة ، وكل فعل يحمد فاعله عليه ولا يذم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ).
الذين كانوا قبله في جميع ما جاءوا به من الحق.
(إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ).
بالتكذيب والرد لذلك كله.
(وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
قوله تعالى : (إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (٤١) فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (٤٢) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٤٣) عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (٤٤) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (٤٥) بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (٤٦) لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ (٤٧) وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ (٤٨) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (٤٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٥٠) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ (٥١) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (٥٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (٥٣) قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (٥٤) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ (٥٥) قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (٥٦) وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٥٧) أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (٥٨) إِلاَّ مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٥٩) إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٠) لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ)(٦١)
ثم استثنى المؤمنين حيث قال ـ عزوجل ـ : (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) ؛ فإنهم لا يذوقون العذاب الأليم ، وإلا لو كانوا مستثنين من قوله : (وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الصافات : ٣٩] أو لا ؛ يكون لهذا حق الاستثناء من الأول ، ولكن الابتداء ذلك جائز في اللغة سائغ في اللسان ، والله أعلم.
ثم بين ما أعد للمخلصين فقال : (أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ).
فإن قيل : كيف يجمع بين قوله : (يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ) [غافر : ٤٠] ، وبين قوله : (لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ)؟! قال بعضهم من أهل التأويل : يعني المعلوم حين يشتهونه يؤتون به.