وقوله : (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ).
أي : لمثل هذه العاقبة التي أعطينا نحن وظفرنا بها ، فليعمل العاملون ، لا لمثل ما فيه صاحبه الذي في النار.
قوله تعالى : (أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (٦٢) إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (٦٣) إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤) طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (٦٥) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٦٦) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ (٦٧) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (٦٨) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ (٦٩) فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ (٧٠) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (٧١) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (٧٢) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ)(٧٤)
ثم قال : (أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ).
يحتمل قوله ـ عزوجل ـ : (أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً) من النزل والمقام ، أي : المقام الذي نزلنا فيه نحن خير أم شجرة الزقوم.
ويحتمل قوله ـ عزوجل ـ : (أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً) أن يكون من الأنزال ، أي : ما لنا من [النعم] العظام والمأكل والمشرب خير أم شجرة الزقوم؟
قال بعضهم (١) ـ أعني : بعض الكفار ـ عند ما خوفوا بها : هل تدرون ما الزقوم؟ هو التمر والزبد ، فقالوا : هذا الذي يخوفنا به محمد.
وقال بعضهم (٢) : إن محمدا يدعي أن تكون الشجرة في النار ، والنار من طبعها أن تحرق الشجر وتأكله ، فكيف يكون في النار الشجرة؟! تكذيبا منهم وإنكارا لذلك ، فأخبرهم الله ـ عزوجل ـ عن تلك الشجرة وعن حالها فقال : (إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ. طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) ، أخبر أن تلك الشجرة خرجت من أصل الجحيم وأنشئت منها ، والشجرة التي أنشئت من النار لا تأكلها النار ولا تحرقها وإنما تأكل غيرها من الأشجار التي لم تنشأ منها ، ومثل هذا جائز أن يكون الشيء الذي يكون نشؤه وبدؤه من كل شيء ألا يهلكه كونه في ذلك ؛ كالسمك الذي يكون أصل نشوئه في الماء ، لا يهلكه الماء وكذلك جميع دواب البحر وإن كان غيرها من الدواب في البرية يهلك فيه ويتلف ؛ فعلى ذلك الشجرة المنشأة منها لا تهلكها النار ولا تحرقها ، وإن كان غيرها من الأشجار تأكلها وتحرقها ، والله أعلم.
__________________
(١) انظر : تفسير غريب القرآن ص (٣٧١).
(٢) قاله ابن عباس أخرجه ابن مردويه عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٥٢٢) ، وهو قول مجاهد والسدي.