يخرجكم من أرضكم فيفسد عليكم معاشكم ، ويضيق عليكم مقامكم ومتقلبكم.
وقوله : (فَما ذا تَأْمُرُونَ) : هذا يبين أنه كان عرف أنه ليس بإله ، فبين دناءته وقلة معرفته ؛ لأنه لا يقول ملك من الملوك لقومه : ما ذا تأمرون ، وخاصة من يدعي لنفسه الألوهية بقوله : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) ؛ فدل أنه كان خسيس الهمة في الرأي والبال.
قوله تعالى : (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٣٦) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (٣٧) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٣٨) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (٣٩) لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (٤٠) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (٤١) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٢) قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٤٣) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (٤٤) فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (٤٥) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (٤٦) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٤٧) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (٤٨) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (٤٩) قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (٥٠) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ)(٥١)
وقوله : (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ) : احبسه وأخره ، (وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ) : الحاشر : الجامع ، والحشر : الجمع ، (يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ).
وكان يجب أن يعرف أن السحر يقابل بسحر مثله ، ولا يحتاج إلى أن يسأل قومه ذلك ، لكنه كان اللعين ما ذكرنا من قلة البصر في الأمر وخساسة الهمة ودناءة الرأي.
وقوله : (فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ. وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ. لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ) : قال اللعين : نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين ، ولم يقل : نتبعهم إن كانت معهم الحجة ؛ ليعلم أنه قد علم وعرف أن لا حجة معهم ، وأن الحجة مع موسى حيث وعد اتباع الغالبين دون من معهم الحجة.
وفي حرف ابن مسعود : قال للناس هل أنتم مستمعون إلى السحرة أنهم يتغالبون لعلنا نتبع منهم الغالبين.
وقوله : (فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ* قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) : هذا ظاهر ، لكن أهل التأويل قالوا (١) : كان السحرة كذا كذا عددا ، وأن موسى
__________________
(١) قاله السدي ، أخرجه ابن جرير عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ١٥٥ ، ١٥٦).