وقال أبو عوسجة : الذّبح بالنصب هو الفعل وهما واحد.
وقال القتبي : البلاء المبين : الإحسان المبين العظيم.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (١١٤) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (١١٥) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (١١٦) وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (١١٧) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (١١٨) وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (١١٩) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (١٢٠) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٢١) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ)(١٢٢)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ).
يحتمل ما ذكر من المنة عليهما الرسالة والنبوة التي أعطاهما ، والآيات والحجج التي أعطاهما وخصهما بهما [و] الذي أبقى لهما الذكر والثناء الحسن عليهم في الآخرين ؛ لقوله ـ عزوجل ـ : (وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ. سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ) ، وإنما أوجب عليهم ذكر المنن والنعم التي خصهم بها وفضلهم من بين غيرهم ، وأما أن يوجب عليهم ذكر كل ما من عليهم وأنعم عليهم ، فذلك ليس في وسع أحد القيام بذكر جميع ما من عليهم وأنعم والشكر لها ، وإنما يجب القيام بذكر ما خصوا بها ظاهرا وإن كان في الجملة أخذ عليهم أن يروا جعل النعم والمنن من الله جل وعزّ فضلا منه وإنعاما لا حقا عليه بقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ) ما خصوا به من الرسالة والنبوة والآيات والحجج التي وقعت لهم الخصوص ، فأما في كل ما من عليهم وأنعم فلا على ما ذكرنا : أن ليس في وسع أحد القيام بشكر أحد نعمه في عمره وإن طال ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ).
قال عامة أهل التأويل (١) : قوله ـ عزوجل ـ : (وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) ، أي : من الغرق ، ولكن جائز أن يكون (مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) الذي نجاهم منه ما ذكر من قتل الرجال واستحياء النساء ، حيث قال : (يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ ...) الآية [الأعراف : ١٤١] ، وما استعبدوهم واستخدموهم ، أنجاهم الله من ذلك الذل وأنواع البلايا والشدائد التي كانت عليهم ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ ...) [الأعراف : ١٣٧] أخبر أنهم كانوا مستضعفين ، فأنجاهم الله من ذلك كله ، وهو الكرب العظيم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ).
__________________
(١) قاله السدي أخرجه ابن جرير (٢٩٥٦٤) ، وانظر تفسير البغوي (٤ / ٣٥).