(وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ) يسمون كل صانع : خالقا ، والخلق : هو التقدير في اللغة يضاف إلى الخلق على المجاز وإن كان حقيقة التقدير لله ـ عزوجل ـ ذكر على ما عندهم لا على حقيقة الخلق ، والله أعلم.
ثم يحتمل قوله ـ عزوجل ـ : (أَحْسَنَ الْخالِقِينَ) ، أي : أحكم وأتقن ؛ على ما ذكر : وهو (أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) [هود : ٤٥] ، أي : جعل في كل شيء أثر شهادة وحدانية الله وربوبيته.
أو (أَحْسَنَ الْخالِقِينَ) لما ذكر أنه خلقهم وخلق آباءهم الأولين ، وأنه ربهم ورب الخلائق ، فقالوا : من أحسن الخالقين؟ فعند ذلك [ذكر] ما ذكر ونعته : (اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) ، ثم أخبر عنهم أنهم كذبوه مع ما ذكر لهم ، وهو ما قال ـ عزوجل ـ : (فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) ، ولم يذكر في ما ذا؟ لكن فيه بيان أنهم لمحضرون النار والعذاب ؛ لأن أهل اللذات هم المحضرون أنفسهم و [أهل] العذاب يحضرون كرها لا بأنفسهم ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) [الطور : ١٣] ، وقوله ـ عزوجل ـ : (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ) [القمر : ٤٨] ، وقوله : (وَيَصْلى سَعِيراً) [الانشقاق : ١٢] ونحوه ، ثم استثنى العباد المخلصين منهم أنهم لا يحضرون النار.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ* سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ).
هو ما ذكرنا أنه أبقى لهم الثناء الحسن [ومن أهلك] إنما أهلك بتكذيب الرسل وعنادهم ، ومن نجا منهم إنما نجا بتصديقهم والإجابة لهم وإياكم وتكذيب محمد صلىاللهعليهوسلم فينزل بكم كما نزل بأولئك.
قوله تعالى : (وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٣) إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٣٤) إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (١٣٥) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٣٦) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٣٨) وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٩) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١٤٠) فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (١٤١) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (١٤٢) فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤) فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (١٤٥) وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (١٤٦) وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (١٤٧) فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ)(١٤٨)
وقال ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ)(١).
أي : على من هلك من مكذبي الرسل بالليل والنهار ، فتعلمون أنهم إنما أهلكوا بالتكذيب للرسل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَلا تَعْقِلُونَ).
وتعتبرون وتمتنعون عن تكذيبه ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٩) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١٤٠) فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (١٤١) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (١٤٢) فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤) فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (١٤٥) وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (١٤٦) وَأَرْسَلْناهُ إِلى
__________________
(١) كذا في أ ، لم يذكر من هذه القصة سوى الآيتين المذكورتين.