قد ينسب إليهن الإضلال ؛ لقوله : (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) [إبراهيم : ٣٦] ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ).
يحتمل هذا منهم ـ أعني : الملائكة ـ وجهين :
أحدهما : قالوا ذلك لتبرئة أنفسهم عن أن يأمروا بالعبادة لهم ، أي : لم نتفرغ نحن بعبادة هؤلاء طرفة عين فكيف نأمر هؤلاء بعبادتنا ؛ كقولهم : (قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ) [سبأ : ٤١] أي : نحن في طلب ولايتك فكيف نتفرغ لذلك ، أو أن يقولوا : إن ولايتك التي واليتنا شغلتنا عن جميع ما ذكر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ) أي ما أنتم بمضلين أحدا من عبادي بإلهكم هذا الذي تعبدون إلا من تولاكم بعمل أهل النار ، وذكر عن عمر بن عبد العزيز (١) [و] عن الحسن (٢) أيضا أنهما قالا في قوله ـ عزوجل ـ : (ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ* إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) يقول : ما أنتم بمضلين بآلهتكم أحدا إلا من قدر أنه يصلى الجحيم ، وهو قريب مما ذكرنا ، والله أعلم.
(إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ).
يحتمل مكان معلوم محدود لا يبرح عنه ولا يفارق.
ويحتمل (مَقامٌ مَعْلُومٌ) أي : عبادة معلومة نحو ما ذكر حكيم بن حزام قال : بينما رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولا بما نحن فيه ولكن أمر آخر (٣) ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ (١٦٧) لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٦٨) لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٩) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (١٧٠) وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (١٧٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٤) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٥) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (١٧٦) فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٧) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ) (١٧٨)
ثم قوله : (لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) بنصب اللام على ظاهر ما قالوا ، يخبر أن يكون من المخلصين بكسر اللام ، أي : لو كان كذا ، فنحن نخلص له التوحيد والعبادة ، لكن المخلص أن يخلصنا الله لو كان كذا ، والله أعلم.
ثم أخبر أنهم كفروا ما آتاهم البيان وأن أولئك المتقدمين إنما أهلكوا لما ذكر محمد ـ
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٢٩٦٦٦).
(٢) أخرجه ابن جرير (٢٩٦٦٣ ، ٢٩٦٦٤) ، وعبد بن حميد كما في الدر المنثور (٥ / ٥٤٩).
(٣) كذا في أ. وأخرج ابن مردويه كما في الدر المنثور (٥ / ٥٥٠) عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «هل تسمعون ما أسمع؟» قلنا : يا رسول الله ، ما تسمع؟ قال : «أسمع أطيط السماء ، وما تلام أن تئط ؛ ما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك راكع أو ساجد».