وقوله : (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) : هذا يحتمل وجوها :
قال بعضهم : لم يكن أكثر أهل مصر بمصدقين بتوحيد الله ؛ إذ لو كان أكثرهم مؤمنين لم يعذبوا في الدنيا ، ولكن غير هذا كأنه أشبه ، أي : لو لم يهلكهم الله تعالى ، ولكن أبقاهم لم يؤمن أكثرهم.
وقال بعضهم : (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ) من بني إسرائيل (مُؤْمِنِينَ) أي : لم يدم أكثرهم على الإيمان ، بل ارتد أكثرهم من بعد ما أنجاهم حيث قالوا لموسى : (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) [الأعراف : ١٣٨] ، والله أعلم.
وقوله : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) : المنتقم من فرعون.
وقوله : (الرَّحِيمُ) : بموسى ومن معه من المؤمنين ، هذا في هذا الموضع يستقيم أن يصرف تأويل العزيز إلى الأعداء ، والرحيم إلى الأولياء ، كل حرف من ذلك إلى الفريق الذي يستوجب ذلك : الرحمة إلى المؤمنين ، والنقمة إلى الأعداء.
قوله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (٦٩) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ (٧٠) قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (٧١) قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣) قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٧٤) قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعالَمِينَ (٧٧) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢) رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (٨٣) وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (٨٤) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (٨٥) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ (٨٦) وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (٨٧) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (٨٨) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)(٨٩)
وقوله : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ) : أي : اتل على أهل مكة نبأ إبراهيم وخبره ؛ لأنهم كانوا من أولاد إبراهيم ومن نسله ، وهم يقلدون آباءهم في عبادتهم الأصنام ، وإبراهيم وبعض أولاده : إسماعيل وإسحاق وهؤلاء كانوا مسلمين ، عباد رب العالمين لا عباد الأصنام ، فهل اتبعوا إبراهيم ومن كان معه على دينه من آبائهم ، دون أن اتبعوا من عبد الأصنام يسفه أحلامهم في عبادتهم الأصنام وتقليدهم أولئك الذين عبدوا من آبائهم الأصنام ، وتركهم تقليد من لم يعبدها وعبد الله.
ثم قول إبراهيم حيث قال لأبيه وقومه : (ما تَعْبُدُونَ) ، يحتمل قوله : (ما تَعْبُدُونَ) على ما ذكر في آية أخرى : (ما ذا تَعْبُدُونَ* أَإِفْكاً) [الصافات : ٨٥ ، ٨٦].