بينه وبينها كان غير مكلف بها ولا مخاطبا معذورا ، ومن لم تمنع عنه ومكن [من] ذلك إلا أنه ترك العمل به كان مكلفا به غير معذور ؛ لأنه هو الذي ضيع ذلك وتركه بالاختيار ، والأول غير مضيع لها ولا تارك لذلك أمر ؛ وذلك على المعتزلة ، والله الموفق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ).
سماه : مباركا ؛ لأن من اتبعه وتمسك به وعمل بما فيه صار شريفا مذكورا عند الناس عظيما على أعينهم وقلوبهم ، وذلك عمل المبارك أن ينال كل بر وخير يكون أبدا على الزيادة والنماء ، والله اعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ).
أخبر أنه أنزله ؛ ليدبروا في آياته ؛ ليعرفوا ما لهم وما عليهم وما يؤتى وما يتبع ، إنما يعرف ذلك بالتأمل والتدبر والتفكر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ).
أي : ليتذكر وليتعظ أولو الألباب بما فيه من المواعظ والآداب وغير ذلك.
قوله تعالى : (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ (٣١) فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ (٣٢) رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ (٣٣) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ (٣٤) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٣٥) فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ (٣٦) وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٣٨) هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٩) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ)(٤٠)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ).
أثنى الله ـ عزوجل ـ على داود وابنه سليمان ـ عليهماالسلام ـ بالأوبة إليه والرجوع ، وهو ما قال ـ عزوجل ـ في داود ـ عليهالسلام ـ : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) [ص : ١٧] وقد فسرنا الأوّاب.
وقال في سليمان ـ عليهالسلام ـ : (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ ...) إلى آخر ما ذكر.
دل ذكر قوله ـ عزوجل ـ : (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ) على أثر قوله : (إِنَّهُ أَوَّابٌ) أنه إنما كان أوابا بالذي ذكر منه ؛ لأن حرف (إِذْ) لا يذكر إلا عن شيء سبق ، وسمى ـ عزوجل ـ داود ـ عليهالسلام ـ : أوابا بما ذكر من تسبيحه بالعشي والإشراق والفزع إليه بما هو به ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ) :