فمن قرأه بالرفع فيكون معناه ـ والله أعلم ـ (فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ) أي : مني يكون الحق على هذا.
ومن قرأه على النصب فهو على التأكيد ؛ تأكيدا على ما ذكر على أثره كأنه يقول : أقول الحق الحق ، وهو يقول : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ).
ثم جائز أن يحتج بهذه الآية على المعتزلة فيقال لهم : أراد الله تعالى أن ينجز ما وعد وأن يصدق خبره الذي أخبر أنه كان يكون ، أو لم يرد أن ينجز ما وعد وألا يخرج خبره على الصدق.
فإن قالوا : لم يرد ، أعظموا القول ؛ لأنهم زعموا أنه أراد أن يخلف ما وعد ، وأن يكذب في خبره ، فذلك عظيم القول حيث وصفوا ربهم بالسفه ؛ لأن من أراد أن يخلف وعده وأن يكذب في خبره ، فهو سفيه على زعم من قال ذلك.
وإن قالوا : أراد أن ينجز ما وعد وأن يصدق خبره ، فيقال لهم : أراد أن يتبعوا إبليس ، أو أراد أن يؤمنوا ولا يتبعوه؟
فإن قالوا : أراد أن يؤمنوا ولا يتبعوا إبليس ، فيقال : أراد أن يجور ويظلم على زعمكم ؛ لأنه أراد أن يملأ جهنم ولم يرد ما يستوجبون ذلك ؛ فدل على أن الله تعالى علم أنه يكون منهم ، والله أعلم.
قوله تعالى : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٨٧) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ)(٨٨)
وقوله : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ).
هذا يحتمل وجوها :
أحدها : لا أسألكم على ما أدعوكم من الشرف والذكر في الدنيا والآخرة من أجر ، ولا أجد في الشاهد من يبذل للآخر من الشرف أو الذكر ولا يعطيه ذلك إلا بأجر ، فكيف تتركون اتباعي ولا تقبلون ذلك مني؟!
أو يقول : لا أسألكم على ما أدعوكم إليه من أجر ، فيمنعكم ثقل ذلك الأجر وذلك الغرم عن إجابتي ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) [الطور : ٤٠] أي : لست تسألهم أجرا حتى يمنعهم ثقل ذلك الغرم عن الإجابة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ).
قال عامة أهل التأويل (١) : وما أنا ممن تكلف ذلك من تلقاء نفسي ، ولا أمرتكم بما
__________________
(١) قاله قتادة بنحوه أخرجه ابن جرير (٣٠٠٣٧).