العذاب ، أتقدر أن تنقذه من النار؟ أي : لا تقدر على ذلك ، والله أعلم.
ثم بين الذين أنقذوا من النار ، وهم الذين اتقوا ربهم ، حيث قال ـ عزوجل ـ : (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ).
يحتمل اتقوا مخالفة ربهم ، واتقوا سخط ربهم ونقمته.
ثم بين ما أعد لهم في الآخرة ، فقال ـ عزوجل ـ : (لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ) ذكر أن لهم غرفا في الجنة ، والغرف على الغرف في الشاهد إنما تتخذ لضيق المكان ، لكن ذلك في الجنة ليس لذلك ولكن لما كان عرف من رغبة الناس في الدنيا في الارتفاع والعلو والكراهية للتسفل والانحدار في الأرض رغبهم في الآخرة على ما رغبوا وأحبوا في الدنيا ، ولكن لأهل الجنة الدرجات ولأهل النار الدركات.
ثم قوله : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ).
يخبر أن أمر الجنة على خلاف أهل الدنيا ؛ إذ في الدنيا كلما ارتفع وعلا من البنيان كان الماء منها أبعد والوصول إليه أصعب ، فأخبر أنهم وإن كانوا في الغرف والدرجات فأبصارهم مما تقع على الماء والماء لا يبعد عنهم ولا يصعب ، والله أعلم.
ثم ذكر في الغرف البناء وذكر في السماء أنه بناها ، فلم يفهم من بنائه ما ذكر ما فهم من بناء الخلق ، فكيف فهم من مجيئه وغير ذلك ما فهم من مجىء الخلق وإتيانهم لو لا ما كان فيهم من فساد اعتقادهم ، والله أعلم.
ثم قال ـ عزوجل ـ : (وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ) ؛ لأن من وعد في الشاهد وعدا ثم أخلفه إنما يخلفه لحاجته ، أو لما يبدو له من البدوات فيرجع عما وعد ، والله ـ سبحانه وتعالى ـ [منزه] عن ذلك كله ، لا يحتمل خلف الوعد منه.
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٢١) أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٢) اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ)(٢٣)
وقوله : (أَلَمْ تَرَ) ونحوه [يخرج] على وجهين :
أحدهما : على الخبر (أَلَمْ تَرَ) أي : قد رأيت.
والثاني : على الأمر : أن ره.