تنقض قولهم ومذهبهم.
وقتادة (١) يقول في قوله : (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) وإنما يذكر الله أهل الإيمان ، فكانت تقشعرّ بذلك جلودهم ، وتبكي أعينهم ، وتطمئن قلوبهم ، ولا تذهب عقولهم منه ، وأما أن يصرع أحدهم فلم يكن ، وإنما كان هذا في أصحاب البدع ، وربما هو من الشيطان ، ولعمري ما كان في هذه الأمة أحد أعلم من نبيه صلىاللهعليهوسلم ومن بعده أصحابه الذين انتخبهم الله ـ عزوجل ـ لصحبة النبي صلىاللهعليهوسلم وإقامة دينه ، ولقد سألنا من لقينا من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحاب أصحابه ، فحدثوا أن هذا إنما كان في أهل البدع.
قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٢٤) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٥) فَأَذاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ)(٢٦)
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) كأنه لم يذكر مقابل هذا في هذا الموضع ، فجائز أن يكون مقابله ما تقدم ، وهو قوله : أفمن جعل له الغرف على الغرف تجري من تحتها الأنهار كمن يتقي بوجهه سوء العذاب ، ليس هذا كذاك (٢) ، ولا أحد يتقي بوجهه سوء العذاب ، لكن يخرج ذكر ذلك على وجوه :
أحدها : كناية عن الشفعاء وأهل النصر ، كأنّه يقول : لا يكون لهم من يشفع أو يملك دفع العذاب عنهم.
أو تكون أيديهم مغلولة إلى أعناقهم بلا يد له يتقي بها سوء العذاب عن وجهه ؛ لأن في الشاهد من أصاب شيئا من العذاب يتقي ذلك العذاب عن وجهه بيده ، فيخبر أن لا يد له في الآخرة يتقي العذاب بها عن وجهه ؛ بل يصيب العذاب وجهه ، فكأنما يتقي به.
أو أن يكون ذكر الوجه كناية عن نفسه ، وهو ما ذكرنا ألا يكون له من يملك دفع العذاب عنه.
أو أن يكون ذكر الوجه كناية عن قلبه أي : يصل وجع ذلك العذاب إلى قلبه ، ولا يملك دفعه ، والله أعلم.
__________________
(١) تقدم تخريج قوله.
(٢) ثبت في حاشية أأي : هذا كهذا ، وأن يكون مقابله : أفمن يتق بوجهه سوء العذاب كمن أنعم في النعيم الدائم ، ليس هذا كذاك ، والله أعلم.