حتى ينزل الله الآية بشأنه خاصة؟!
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) يحتمل وجهين :
أحدهما : يقول ـ والله أعلم ـ : (يا عِبادِيَ) الذين جنوا على أنفسهم ، وأوردوها المهالك بارتكاب ما ارتكبوا من الإسراف والكبائر (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) ؛ فإن قنوطكم من رحمة الله وإياسكم منه لا يغفر ولا يجاوز وذلك أعظم وأفظع ؛ إذ رجع أحدهما إلى أنفسهم والآخر إلى رحمة الله وفضله.
والثاني : يقول : إنكم وإن أسرفتم فيما ارتكبتم من الكبائر والفواحش ، وأعرضتم عن أمر الله فلا تقنطوا من رحمة الله بعد إذ تبتم عما كنتم فيه ، ورجعتم عما كان منكم [وأما] في الوقت الذي خرجت أنفسكم من أيديكم ؛ فلا يقبل ذلك منكم ، وهو وقت نزول العذاب بهم وإشرافه عليهم ؛ لأن التوبة في ذلك الوقت توبة اضطرار وتوبة دفع العذاب عن أنفسكم ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ) [غافر : ٨٤] ، ثم أخبر أنه لا ينفعهم الإيمان في ذلك الوقت الذي خرجت أنفسهم من أيديهم ؛ حيث قال ـ عزوجل ـ : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) [غافر : ٨٥] ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً).
لمن يشاء.
(إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
وذكر عن علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ أنه قال : أرجى آية في القرآن هذه الآية ، وذكر أن سورة الزمر كلها نزلت بمكة إلا هذه الآية ؛ فإنها نزلت بالمدينة (١) ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ ...) الآية.
كأنها صلة ما تقدم من قوله : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) بعد إذ أقبلتم إلى قبول ما دعيتم إليه ورجعتم عما كان منكم ، ثم قال ـ عزوجل ـ : (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) :
قال بعضهم : أنيبوا بقلوبكم إلى طاعة ربكم ، وأخلصوا له تلك الطاعة ، ولا تشركوا فيها غيره.
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٣٠١٨٤).