في الشاهد كذلك يتقدم ؛ فعلى ذلك ما أضاف إلى نفسه من أحرف كانت تلك منفية عنه ؛ لما في الشاهد بذلك يكون ، والله أعلم.
وأصل ذلك أن قد بينت بالتنزيل على ما ذكر من إضافة تلك الأحرف إلى الله ، وثبت بدليل السمع أن ليس كمثله شيء [و] في العقل تعاليه عن الأشباه والشركاء ، لزم القول بوقوع تلك الآيات على ما لا تشابه به يقع بينه وبين الخلق في الفعل ولا جهة من جهات الخلق ؛ إذ هو متعال عن جميع جهات الخلق في حد الإحداث والخلق ، فيلزم الإيمان بها على ما نطق به الكتاب وانتهى به عن المتشابه ، وتفويض المراد إلى من جاء عنه ذلك مع ما توجد الإضافة إلى الله ـ عزوجل ـ من نحو قوله ـ عزوجل ـ : (حُدُودَ اللهِ) [البقرة : ٢٢٩] ونحوه لا يحتمل فهم المضاف منه إلى غيره ، فكذلك ما ذكرنا يحتمل على إمكان وجوه فيما ينفى (١) معنى التشابه من ذلك ما يضمن فيها معاني ، نحو قوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ ...) الآية [محمد : ٧] ، (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) ، والمرجع ، و (يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ) ، و (فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) [النساء : ٥٩] ، في غير ذلك مما أضيف إلى الله ، ولا معنى لتحقيقه في ذلك ، فيضمن في ذلك منّه ووعده ووعيده وغير ذلك من الوجوه مما يطول ذكره ويكثر ، فمثله أمر هذه الآيات.
والثاني : أن إضافة الأمور في الشاهد إلى الملوك وذكر التولي لهم ليس يخرج مخرج تحقيق كما هو جرى به الذكر ، ولكن على الكناية والعبارة عن غيره ؛ نحو ما قال : بلدة كذا في يد فلان وقبضته ، وأمر كذا في [يد] فلان ؛ إنما يراد بذلك قوته وقدرته ؛ فعلى ذلك ما ذكر من قبضته ويده ويمينه إنما هو الوصف له بالقوة ، والسلطان ، والقدرة على ذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) يحتمل تنزيه نفسه عما وصفه المشبهة وشبهوه بالخلق ، أو عما أشرك عبدة الأصنام بالله في العبادة ، وتسميتهم إياها : آلهة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ) هو على التقديم والتأخير ؛ كأنه يقول ـ عزوجل ـ : الأرض والسموات جميعا في قبضته مطويات بيمينه ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٩) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ (٧٠) وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ
__________________
(١) في أ : يبقى.