وقال القتبي (١) : (إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) ، أي : من المعللين بالطعام والشراب ؛ وهو مثل الأول.
وقال أبو عوسجة : (مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) ممن له سحروا السحر ألوية ، وأسحار جمع.
وقال بعضهم (٢) : من المسحورين ، لكنه عند الكثرة يشدد ، والله أعلم.
ثم قال صالح : (هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) : ذكر أهل التأويل أن الماء منقسم بينهم : كان يوم لهم ويوم للناقة ، واستدلوا بقوله : (وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) ، فلما كان يوم لها معلوم ، لكن ليس في الآية دلالة أن الأمر ما وصفوا ، ولكن في الآية أن الماء قسمة بينهم : كل يوم لهم ويوم شرب محتضر ، وظاهره أن الماء بينهم بالقسمة لا الشرب.
وقوله : (لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) : جائز أن يكون الماء بينهم بعضه للناقة وبعضه لهم ، ثم لهم يوم معلوم ليس للناقة في ذلك اليوم شيء ، والله أعلم.
وقد ذكرنا أن هذه الأنباء إنما ذكرت في كتبهم حجة لرسول الله ؛ فلا يزاد على ما ذكر في الكتاب ؛ مخافة أن تذهب حجته عليهم ـ أعني : أهل الكتاب ـ لئلا يكذبوا رسول الله فيما يخبر من الأنباء التي في كتبهم.
وقوله : (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ. فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ) : يحتمل قوله : (فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ) إذا هلكوا ، وإلا لو ندموا على صنيعهم وتابوا قبل أن يهلكوا لقبل ذلك منهم.
وقوله : (فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ) : كل آية آتاهم الرسل على أثر السؤال فكذبوها أخذهم العذاب فأهلكوا.
وقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) : قد ذكرناه.
قوله تعالى : (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (١٦٠) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٦١) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٦٢) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٦٣) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٤) أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ (١٦٥) وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ (١٦٦) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (١٦٧) قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ (١٦٨) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (١٦٩) فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٧٠) إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (١٧١) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٧٢) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٣) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٤) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)(١٧٥)
وقوله : (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ) : قد ذكر بالتأنيث على إضمار جماعة ؛ كأنه قال :
__________________
(١) ينظر تفسير غريب القرآن (٣٢٠)
(٢) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٦٧٣٧) و (٢٦٧٣٨) وعن قتادة (٢٦٧٣٩) ، وانظر : الدر المنثور (٥ / ١٧٢).